Tunanin Tunani da Rubuta jin Rai
خواطر الخيال وإملاء الوجدان
Nau'ikan
وأظنكم سمعتم أخبار «العيسويين» (نسبة إلى محمد بن عيسى وهو مرابط مراكشي أسس هذه الطريقة بمكناس، وقد مضى عليه ثلاثة قرون وانتشرت طريقته في جميع بلاد الغرب)، وهم يدعون أن الأفاعي والسلاح والمسامير والزجاج لا تؤثر في أجسامهم، وهم يماثلون المشعوذين المصريين المعروفين بالرفاعية في أفريقية الشمالية الذين يسمرون المسامير في خدودهم وقت بحرانهم، ويقلعون أعينهم من محاجرهم ويطرحونها أرضا حتى يسمع صوت وقعها، وفي الصباح لا يرى أي أثر من ذلك في وجوههم، وقد شاهدت ما يماثل ذلك في الغرابة بمصر بلد الاعتدال الباسم.
ولقد حضرت الستة عشر يوما بأجمعها التي يقام فيها مولد النبي
صلى الله عليه وسلم
بسراي السيد توفيق البكري نقيب الأشراف، وشاهدت المرتلين الرافضين والذاكرين في ضوء المشاعل تخفق فوق رءوسهم أعلام موشاة بأبدع الألوان.
وأذكر خاصة حزب الزنوج ذي الجلابيب والعمم الزرقاء الفيروزية يذكرون ويرقصون وهم مصطفون حتى يهيجوا وتعلو أصواتهم لحد الجنون المزبد، وكان هناك حزب آخر من الشبان المصريين الشاحبي اللون يرمون بأنفسهم في النار على صوت الدفوف ويأكلون القبس، ثم يتمرغون على الصعيد بحالة صرع فيحنو عليهم رفاقهم ويواسونهم بأقوال حكيمة، وبعد قليل يأتي دور الآخرين من اشتداد قرع الدفوف ويرتمون مثلهم في النار، ثم يصرعون ويتخبطون على الأرض ورؤالتهم تسيل من أفواههم وهم حمر العيون.
وقد تبعت العجم في عيدهم المسمى عاشوراء، وقد مر موكبهم في طرق القاهرة ليلا وهم لابسون أثوابا بيضاء ووراءهم سيدات يبكين، وكان وزنهم الوحشي مسندا إلى ضربات السيوف ذات الحدين في رءوسهم، وكل منشد منهم يضرب نفسه ليظهر الوحدة الموسيقية.
وكانت أصوات هذه الجموع تولول صائحة حسين! ... علي! ... ولكل اسم من هذين الاسمين المقدسين تقطع السيوف في جماجمهم الدامية.
وقد تمكنت بفضل زوجي الذي يملك المفتاح الذهبي للأسرار الشرقية أن أتسلل وراء هؤلاء المتعصبين وأتبعهم إلى مسجدهم الصغير الذي يتممون فيه حفلتهم، والذي لم تطأه قط أقدام الإفرنج.
اصطف هؤلاء المنشدون الجرحى حول شيخهم، وهو مرتد طيلسانا أبيض فضفاضا شعره مسترسل على كتفيه برأس يشبه رأس المسيح، أسمر الوجه، تدور عيناه في أم رأسه وهو يرتل لهم بصوت جهوري، وليسند إلى كل جملة كان أتباعه ذوو الرءوس الدامية عارين إلى أوساطهم وبأيديهم سلاسل يضربون بها ظهورهم، متبعين في ضرباتهم الوزن الموسيقي.
ولقد دفعنا تطلعنا إلى زيارة بعض هؤلاء المتعصبين المرعبين؛ فذهبنا إليهم في الغد إلى سوق العجم «خان الخليل» فوجدتهم من صغار التجار الذين يبيعون نعال المنازل والبضائع الحقيرة، وهم جالسون بكل لطف في حوانيتهم يعرضون سلعهم بصوت هادئ.
Shafi da ba'a sani ba