Tunanin Tunani da Rubuta jin Rai
خواطر الخيال وإملاء الوجدان
Nau'ikan
والهواة من الشبان يكتفون بحفظ بعض البشارف والسماعيات وجانب من المارشات والأدوار دون أن يهتموا بقواعد الفن وأصوله.
وأما الفتيات فأغلبهن يتعلمن منهاج المرحومة ماتيلده على البيانو ويقلقن به الجيران إلى ما بعد منتصف الليل ، ولا يعزفن نوتة واحدة.
ويستثنى منهم أفراد قلائل من الشبان والفتيات بلغن غاية عظيمة ويقولون دائما: هل من مزيد؟ ولكن لا يتجاوز عددهم أصابع اليد.
اغتبطنا حين رأينا مدة انعقاد المؤتمر الموسيقي أطفال رياض الأطفال ومدارس البنات الابتدائية يمثلون قطعا استعراضية تمثيلية غنائية في غاية من الرواء والإتقان، ويمثلون أدوارهم برشاقة واسترسال، ويغنون ألحانها غناء صحيحا شجيا، وقد أعجب بهم أعضاء المؤتمر أيما إعجاب، ويسرنا أن نرى وزارة المعارف مهتمة بتنفيذ قرارات المؤتمر الذي أوصى بنشر التعليم الموسيقي في المدارس الابتدائية والتجهيزية، إذ قررت الوزارة في هذا العام تعليم بنات السنة الثانية من المدارس الابتدائية.
أما موسيقى الجيش والبوليس والملاجئ فقد ترقت كثيرا في السنوات العشر الأخيرة ولا سيما موسيقى البوليس فإنها تعزف كثيرا من القطع الإفرنجية ومنتخبات الأوبرات المشهورة، فضلا عن القطع العربية الراقية، كما أنهم اهتموا بتوحيد طراز آلاتهم حتى يكون فيها انسجام، وهم يعزفون عليها بلباقة وحسن تعبير ورقة لم تكن موجودة فيما مضى.
وإني أورد مثالين يظهران شدة الاهتمام بالموسيقى والتضحية العظيمة في سبيلها:
كلنا نعرف هكتور برليوز أعظم موسيقي أنجبته فرنسا، وكان في أول أمره طالبا في مدرسة الطب، وكان أبوه طبيبا فلم يجد الولد في نفسه ميلا إلى الطب ورجا والده أن يدخله في معهد الموسيقى فرفض وهدده بقطع مرتبه، ولم يستطع الابن أن يستمر في الطب فدخل الكونسرفاتوار، فما كان من والده إلا أن قطع مرتبه، فاضطر أن يعطي دروسا موسيقية بفرنك واحد للدرس، واستمر في دراسته وهو يغالب الزمن للحصول على قوته حتى نبغ، وهو الذي ابتدع الرومانتيسم في الموسيقى في فرنسا، والمثال الثاني يبين لنا اهتمام الهمج بالموسيقى بدرجة لا تجدها في المصريين.
كنت في صغري أقضي عطلة المدارس في قريتنا بين أهلي، وكان منزلنا في ربوة عالية تشرف على جميع القرية، وكان في الحي الذي يلينا بيت تسكنه فئة من العبيد يحيون الليل جمعيه في الغناء والعزف والرقص إلى أن تطلع الشمس، ثم يذهبون إلى عملهم وهو التجوال في القرى لجمع «البجم» من أشجار الأثل بقصبة طويلة بطرفها شص كبير وهو يستعمل في الصباغة.
كنت في الصغر طلعة أحب الوقوف على كل شيء، وكنت أرقب هذا البيت الصادح الباغم من الأصيل بمنظار، فكنت أرى النساء يكنسن فناء الدار ثم يرشونه ويفرشون الحصر ويصفون الآلات الموسيقية من دلوكات وطبول مختلفة الأنواع والكسيلوفون الفطري المصنوع من قطع الخشب الرنانة المختلفة الأحجام والكيزان الصفيح المحشوة بالحصى الصغير يحملونها في أيديهم ويهزونها لتحدث «دوكة» مخصوصة وقت التوقيع، وحينما يقبل رجالهن بعد الغروب يهيئن لهم ثريد العدس، ثم نصف أقداح البوظة، ثم يدخنون ويتسامرون ساعة إلى أن يأتي وقت الموسيقى فينشطون لها ويأخذ كل منهم آلته الموسيقية ويتهيأ الباقون للرقص والغناء، ويستمرون في لهوهم إلى مطلع الشمس دون أن يناموا، ثم يذهبون إلى عملهم ويقنعون بأن يقيلوا ساعتين بعد الغداء في ظل شجرة.
إن الموسيقى الشرقية كنز زاخر بالجواهر واللآلئ واليواقيت، ولكننا لا نعرف كيف نستخرجها ونبريها بذوق سليم حتى تليق لأن تزين بها تيجان الملوك.
Shafi da ba'a sani ba