Tunanin Tunani da Rubuta jin Rai
خواطر الخيال وإملاء الوجدان
Nau'ikan
ليت شعري! أتنسب هذه المظالم إلى الإنسان أم إلى الحروب؟
أيها المستقبل الغامض الذي لا يسبر له غور!
إلى أي حظ تقودنا؟ ترى تلك أيام حداد دائم، أو إنك لتنتقم من هذه الأعوام القاسية تريد أن تحقق صورته التي تموج في فكرنا؟
نستودعك ربا عادلا يجزي همتك بالرحمة والرضوان، وينيلك أضعاف ما أملت في الدنيا من فسيح الجنان، وإن أمتك لن تنسى شبابا ذهب ضحية الإخلاص، ولم يكافأ في دنياه بلحظة من الهناءة تنسيه آلامه أو تنيله بعض آماله. (16) نابغة شرقي مجهول
زرت ذات ليلة صديقا من الزملاء فتبادلنا الحديث ثم تنقلنا في السمر، فقال لي في عرض حديثه: إنك لسعيد الحظ بهذه الزيارة؛ إذ سيفد علينا بعد قليل أستاذي في البيانو وهو نابغة شرقي مجهول، ثابر على العمل بما أوتيه من حول وطول دون أن يطنطن أو يعلن عن نفسه بأساليب حب الشهرة الكاذبة المعروفة، وستبتهج حينما تنجلي لك حقيقته، ويشنف سمعك بآيات سحره ونفحات خياله الفتانة.
وبعد قليل طرق الباب فهرع رب البيت لملاقاة الطارق، فوقفت وعنقي مشرئب نحو الباب، فشاهدت رجلا طويل القامة نحيلا أسمر اللون قد وخطه الشيب يتوقد الفن من عينيه، وديع هادئ متواضع، لا تمر الأنانية على لسانه.
أكبرت الرجل وأفعم فؤادي هيبة ووقارا، وطفقت أتفرس فيه لأقرأ ما ارتسم على وجهه من مخائل النجابة ودلائل النبوغ، وتهلل قلبي فرحا وابتهاجا؛ إذ تحققت بعض أماني وعثرت على حين غفلة على شيء مما كنت أنشده فلا أجده.
وبعد التعارف وتبادل التحيات تجاذبنا أطراف الحديث، ثم تفضل علينا ووقع لنا بعض قطع من تأليفه مثل: النشيد الوطني العثماني، وسنفصل للقراء خبره عند موضعه، وقطعة أخرى اسمها «خمسة عشر تنويعا على لحن مصري»، وهذه القطعة عبارة عن المذهب في أغنية «حود من هنا تعال عندنا» وقد نسج عليه خمسة عشر تنويعا مع ما يستدعيه من الحليات «والأرموني» بشكل فني تعجب به الأذنان الشرقية والغربية، وذوق سليم ورشاقة ساحرة، فغرقت في هذه الآونة في لجة من الملذات غمرت نفسي وجثماني وجعلتني كالذاهل من عجائب حلم من الأحلام اللذيذة التي لم تتحقق.
ثم رجونا منه أن يتكرم بتوقيع شيء من الموسيقى الغربية فوقع «الفالز كروماتيك» لجو دار الموسيقي الفرنسي، وهو من القطع السريعة العويصة، وأعقبه «بسونات» البدر ليلة تمه لبيتهوفن، فأطربنا وأشجانا بفنه ورشاقة توقيعه.
شاب صفائي وبشري شيء من الكدر والخجل من نفسي، إذ صدر بحثي «الموسيقى الشرقية ماضيها وحاضرها ونموها في المستقبل» والذي طبعته جماعة أصدقاء الموسيقى بالإسكندرية خلوا من هذا النابغة، فقلت لنفسي: لقد علمت شيئا وغابت عنك أشياء، وماذا يقول القراء الذين يعرفون هذا النابغة، ولي بعض العذر إذا جهلته؛ لأن قومنا لم يرغبوا أن يقدروه حق قدره ويساعدوه على إتمام مشروعاته النافعة، وينتفعوا بعلمه ويستعينوا به على ترقية موسيقانا الشرقية.
Shafi da ba'a sani ba