ولولا أن مع المؤمنين نفوسا شهوانية، إذا اطلعوا على ما لهم عند مليكهم من الرأفة والمحبة والرحمة والمجد الرفيع، فاستبدوا واجترأوا وأفسدوا سبيلهم ورفضوا العبودية - لكانوا يبشرون بذلك. ألا ترى من آداب الملوك، كيف يعاملون خدمهم؟ ترى الخادم يحل من الملك، من أجل أدبه وحظوه، محل الولد؛ فيكتم ذلك عنه ويطوي خبره وينقبض له، كي لا يفسد ولا تنقطع عنه هيبته. فإذا أدبه، وراض نفسه، وطالت صحبته فوض إليه أموره وأفشى عنده أسرارا لم يكن يطلعه عليها قبل ذلك. وأبدى له محبته، وأنزله من نفسه منزلة الأحرار. وإنما طوى الله العواقب عن المؤمنين نظرا لهم: كي لا تستبد نفوسهم ولا يأخذها الأشر والبطر بما أعطاهم من مننه.
قال له قائل: أفيجوز أن يبشر الأولياء بحسن العاقبة؟
قال: أما أولياء الحق، فلا أحققه لأنهم لم يصلوا إليه. وإنما وصلوا إلى مكان القربة ومكن لهم على شريطة اللزوم، مخافة خيانة النفس. وأما المتصلون به، المحدثون فلا أبعده.
قال له قائل: ولم ذلك؟
قال: لما قد ذكرت: فإنه لا يرد على قلوبهم إلا ما يورده الحق وتقبله السكينة. والسكينة هي مقدار من الله. وهو الذي قدر به حدود الكعبة لإبراهيم خليل الرحمن، صلوات الله وسلامه عليه! حتى بنى على ظله. وهو الذي كانت بنو إسرائيل تعمل على كلامه من التابوت. (وقد) وصفه الله تعالى في تنزيله، فقال: {هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم} أي: طمأنينة في قلوبهم مع طمأنينتهم بذلك من طريق الإيمان. وبالسكينة تطمئن القلوب للخير الوارد عليها. فيجوز (إذن) أن يبشروا (بحسن الخاتمة) وتطمئن قلوبهم بالبشرى.
وأين قوله تعالى: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة}.
روي عن أبي الدرداء، رضي الله عنه، أنه قال: ((سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما سألني عنها أحد. فتلك البشرى، هي الرؤيا الصالحة يراها العبد أو ترى له))، وجاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((أن رؤيا المؤمن كلام يكلمه الرب تعالى لعبده في منامه)).
Shafi 48