كما ترك قوله: ((لو أن لابن آدم واديين من ذهب لابتغى لهما ثالثا))، أو كآية الرجم؛ وأشياء كثيرة. وكان قرن الرسالة والنبوة والحديث في طلق واحد، على قراءة ابن عباس، فصيرهم من المرسلين.
قال له قائل: كيف صيرهم من المرسلين؟
قال: لم أعن المرسلين (من الله) إلى الخلق؛ إنما عنيت المرسلين من الله، عز وجل (لا إلى أحد). فكل من ولي الله أمره واصطنعه واتخذه، فهو مرسل إلى الدنيا ومبعوث. ألا ترى إلى ما ذكر من أعدائه، الذين كان أعدهم عقوبة لعباده، من بني إسرائيل؟ فقال: {بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد} وهو بعث في الشر والعقوبة. وهؤلاء بعثوا في الخير والغياث، بقوله: {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي .. .. } أي: ما أرسلنا من نبي. فهل أرسل نبي إلى أحد؟ فلو كان كذلك فهو الرسول. وأي شيء الفرق بين الرسول والنبي؟ الرسول هو الذي يتنبأ ويرسل إلى قوم يخبرهم ويؤدي الرسالة. والنبي هو الذي يتنبأ ولا يرسل إلى أحد؛ فإذا سئل أخبرهم، وهو، في خلال ذلك، يدعو الخلق إلى الله تعالى، ويعظهم ويبين لهم السبيل في شريعة الرسول.
فالرسول له شريعة، قد أتى بها عن الله تعالى، ويدعو القوم إلى تلك الشريعة . والنبي هو الذي لم يرسل (إلى الخلق). وهو يتبع شريعة ذلك الرسول، ويدعو الخلق إلى تلك الشريعة، التي أتى بها الرسول، ويدلهم عليها وكذلك المحدث، يدعو إلى الله عز وجل على سبيل تلك الشريعة ويدلهم عليها وما يرد عليه، على لسان الحق عند الله تعالى، هو بشرى وتأييد وموعظة، ليست بناسخة لشيء من الشريعة، بل هي موافقة لها. فما خالفها فهو وسواس.
فهذا الرسول والنبي والمحدث. قد قرن ابن عباس رضي الله عنهما، في تلاوة التنزيل ذكرهم في طلق واحد، بأنهم مرسلون من عند الله تعالى وقد أخذ الله ميثاق كل واحد منهم على حدته: ميثاق الرسول برسالته؛ وميثاق النبي بنبوته؛ وميثاق المحدث بولايته. وهم كلهم يدعون إلى الله تعالى. إلا أن الرسول يقتضي أداء الرسالة بالشريعة، والنبي يقتضي الخبر عن الله، ومن ردهما فقد كفر. والمحدث، حديثه له تأييد وزيادة بينة في شريعة الرسول. فإن أنفقه على عباد الله، كان له به إلى الله تعالى وسيلة ورحمة. ومن رده خاب عن بركته ونوره، لأنه أمر رشيد، يدعو إلى الله تعالى ويدل عليه.
Shafi 37