(الفصل التاسع) (النبوة والولاية)
فالنبوة هي العلم بالله، عز وجل، على كشف الغطاء وعلى إطلاع أسرار الغيب. و(هي) بصر نافذ في الأشياء المستورة بنور الله تعالى التام. فمن أجل هذا، قدر محمد صلى الله عليه وسلم أن يأتي ب ((قدم الصدق)).
فإذا استوت الأقدام، أقدام الأنبياء، في صفها وسئل الصادقون عن صدقهم - احتاج الأنبياء إلى عفو الله تعالى. وتقدم محمد صلى الله عليه وسلم ، جميع الأنبياء أمامهم، يخطو بالصدق الذي أتى به، بارزا على جميع الأنبياء ، بجود الله وكرمه: بأن أعطى النبوة وختم عليها. فلم يكلمه عدو، ولا أخذت النفس بحظها منه.
وذلك قوله (تعالى) في تنزليه: {ألر تلك آيات الكتاب الحكيم}. فالألف (رمزا) آلاؤه؛ واللام (رمزا) لطفه؛ والراء (رمزا) رأفته. {أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس}- فقد علم سبحانه، أن قوله {أن أنذر الناس} مما يذهل عقول الصادقين المنتبهين- فقال، على إثر ذلك: {وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم}- أي: أنذرتكم لقائي، ووقوفكم بين يدي عظمتي، وأني أقتضيتكم صدق العبودية. {وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم} وهو هذا الرجل الذي أوحينا إليه. فكما كان على لسانه الوعيد والنذارة، حتى ذهلت العقول، فله ((قدم الصدق))، الذي يدرأ عنكم بصدقه يومئذ ما فاتكم من الوقاية، وما ضيعتم من حق النبوة.
وكذلك روي لنا عن أبي سعيد الخدري في قوله: ((قدم صدق)) قال: محمد صلى الله عليه وسلم ، يشفع لهم يوم القيامة. وقول الرسول؛ عليه الصلاة والسلام: ((أن لي، في ذلك اليوم، مقاما محمودا يحتاج الخلق فيه إلي حتى إبراهيم خليل الرحمن!)) وهذا تحقيق ما قلناه.
Shafi 32