وكان الله ولا شيء! فجرى الذكر. وظهر العلم. وجرت المشيئة. فأول ما بدأ، بدأ ذكره.ثم ظهر في العلم علمه. ثم في المشيئة مشيئته. ثم في المقادير هو الأول. ثم في اللوح هو الأول. ثم في الميثاق هو الأول. ثم هو الأول يوم تنشق عنه الأرض. ثم هو الأول في الخطاب. والأول في الوفادة. والأول في الشفاعة. والأول في الجوار. والأول في دخول الدار. والأول في الزيارة. فبهذا ساد الأنبياء عليهم السلام. ثم خص بما لا يدفع: وهو خاتم النبوة. وهو حجة الله، عز وجل على خلقه، يوم الموقف، فلم ينل هذا أحد من الأنبياء.
قال له قائل: وما خاتم النبوة؟
قال: حجة الله على خلقه، بحقيقة قوله تعالى: {وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم} فشهد الله له بصدق العبودية. فإذا برز الديان في جلاله وعظمته، في ذلك الموقف، وقال: يا عبيدي، إنما خلقتكم للعبودة، فهاتوا العبودة! فلم يبق لأحد حس ولا حركة، من هول ذلك المقام، إلا محمدا، صلى الله عليه وسلم . فبذلك القدم (الصدق) الذي له، يتقدم إلى جميع صفوف الأنبياء والمرسلين. لأنه قد أتى بصدق العبودية لله تعالى. فيقبله الله منه، ويبعثه إلى المقام المحمود، عند الكرسي. فيكشف الغطاء عن ذلك الختم، فيحيطه النور وشعاع ذلك الختم يبين عليه. وينبع من قلبه على لسانه من الثناء ما لم يسمع به أحد من خلقه؛ حتى يعلم الأنبياء كلهم أن محمدا، صلى الله عليه وسلم ، كان أعلمهم بالله، عز وجل! فهو أول خطيب، وأول شفيع، فيعطى لواء الحمد، ومفاتح الكرم.
فلواء الحمد لعامة المؤمنين، ومفاتح الكرم للأنبياء. ولخاتم النبوة بدء وشأن عميق، أعمق من أن تحتمله. فقد رجوت أنه كفاك هذا القدر من علمه!
Shafi 29