قال: بحق أقول لك، هذا قول أحمق، صاحب كلام ومقاييس. يتفكر في نفسه بأشياء ويتوهمها، ثم يقيسها من تلقاء نفسه. فأحذرك أن تصغي إليه! فإنه ينطق عن لسان الشياطين. وأنا أصف لك هذا الباب لتعرف عواره، إن شاء الله تعالى!
اعلم أن الله، سبحانه، عرف العباد أسماءه. ولكل اسم ملك، ولكل ملك سلطان؛ وفي كل ملك مجلس نجوى وهدايا لأهلها. وجعل الله لقلوب خاصته، من الأولياء، هناك مقامات، (أعني) أولئك الأولياء الذين تخطوا من المكان إلى الملك.
فرب ولي مقامه في أول ملك، وله من أسمائه ذلك الاسم. ورب ولي مقامه التخطي إلى ملك ثان وثالث ورابع. فكلما تخطى إلى ملك أعطي ذلك الاسم؛ حتى يكون الذي يتخطى جميع ذلك إلى ملك الوحدانية الفردانية هو الذي يأخذ بجميع حظوظه من الأسماء. وهو محظوظ من ربه، وهو سيد الأولياء؛ وله ختم الولاية من ربه. فإذا بلغ المنتهى من أسمائه، فإلى أين يذهب؟ وقد صار إلى الباطن الذي انقطعت عنه الصفات؟
وهل تسمى (الله) لأصفيائه، ووصف نفسه لهم، إلا ليخلو (منها)؟ فحظوظ العامة من صفاته إيمانهم بها. وحظوظ المقتصدين وعامة الأولياء المقربين، شرح الصدر لها واستنارة علم تلك الصفات في صدورهم؛ كل على قدره، وقدر نور قلبه. وحظوظ المحدثين، وهم خاصة الأولياء، ملاحظة تلك الصفات، وإشراق نور تلك الصفات على قلوبهم وفي صدورهم. ولذلك قال (تعالى): {هو الظاهر والباطن} فهل الظاهر إلا ما ظهر على القلوب؟ وإنما يظهر بصفاته على قلوب خاصة أوليائه. فإذا انتهت الصفات، صار إلى الباطن الذي لا يدري. فقد استقر القلب. وكلما علم أنه ليس وراء هذه صفة، ووجد هناك محلا، علم أنه لا يتقدمه أحد.
فسل هذا الزاعم: ما أول أسمائه؟ وما الاسم الذي هو ولي أسمائه؟ فإن كان يعجز عن علم هذا، فكيف لا يخوض فيما هو أولى به؟- و(سله أيضا): حدثني عن الأنبياء، كيف عرفوا مقاماتهم؟ فإن قال: (عرفوا) هذا بالنبوة، فقل: هذا عرفوه بالولاية: فإن النبوة مع البرهان، والولاية هي البرهان!
أليست السكينة حقا من الله، ينزلها على أنبيائه وأوليائه؟ فكما صح له (= للنبي). الوحي بالروح، فكذلك يصح الحديث لهذا (= للولي) بالسكينة. وسنوضح هذا، إن شاء الله فيما بعد.
وأما قوله: فإن القلوب تصير إلى ما لا منتهى له، فليس بحجة. وذلك أن القلوب جعل لها مقامات؛ وجعل للمقامات منتهى تصير تلك القلوب إليها. والمقامات أيضا لا منتهى إليها، ولكن عدد المقامات معلوم منتهاه.
قال (قائل): وما منتهاه (= القلب).
Shafi 27