فهذا المغرور المخدوع، لما وجد قوة المحل، ونور القربة، وطهارته، ظن أنه استولى. ونظر إلى نفسه فلم يجد فيها شيئا في الظاهر يتحرك. ولا يعلم أن المكامن مشحونة بالعجائب! روي عن وهب بن منبه، رحمه الله، أنه قال: ((إن للنفس كمونا ككمون النار في الحجر؛ إن دققته لم تجد فيه شيئا وإن قدحته أورى نارا)).
فكان هذا نظرا من الله عز وجل! أن رحمه فنقله، في لحظة، من محل الصادقين إلى محل الصديقين: من بيت العزة، من سماء الدنيا إلى عساكر حول العرش. فذهب (هذا المسكين) لشقاء جده، فقال: أذهب فأطوف في البلاد، وأدعو الناس إلى الله تعالى. وأذهب فأعمل أعمال البر، فإنما خلقت للعبودية.
(ولكن، أيها البائس) هل أجابتك نفسك حين دعوتها، حتى يجيبك الناس؟ وهل صفا قلبك لله عز وجل! حتى تصفو عبوديتك؟ وهل خرجت من رق النفس، حتى تدخل في رق الله، عز وجل! هيهات! هيهات ما أبعدك من الصدق، فكيف من طريق الصديقين؟
قال قائل: ومن أين تلك الأنوار، التي توكل بالحراسة لهذا الذي ثبت في مركزه ولم يصدر عنه إلا بإذن؟
قال: من مجالس الحديث.
قيل: وما مجالس الحديث؟
قال: مجالس المحدثين، أهل الله ونصحاؤه. يحبون أن يصل هؤلاء إلى ما وصلوا. فيقطع لهم قطعة من النور، فيحرسهم ذلك النور، ما داموا في تلك الأمور. فكل ما نجم من هنات النفس، في الصدر، شيء، وقت مباشرتهم تلك الأمور - ثار ذلك الشعاع في صدره فخفي على القلب والنفس ذلك الناجم وبطل، فمر في أمره مستقيما، غير ملتفت إلى أحد. ثم رجع إلى محله ومركزه نقيا.
Shafi 24