(ثانيهما) البوذيون المدنيون، وأولئك لم يطبقوا المنهاج الشاق
، فاختاروا لأنفسهم طريقا وسطا ليس فيه إفراط فى اللذائذ، ولا شدة فى تركها.
أخذوا ببعض الأخلاق البوذية من تواضع وصدق وأمانة، ونالوا بعض الملاذ التى لا تعقب ألما، ولم يندفعوا فى اجتراح الشهوات، حتى لا يصابوا بالام الحرمان إن لم يستطيعوا.
وخلاصة القول أنهم أخذوا من المبادىء السلبية المبادىء الخمسة الأولى، وهى ألا يقتلوا، ولا يسكروا، ولا يكذبوا، ولا يزنوا، وتركوا الباقيات من المنهيات، فلم يحرموها على أنفسهم.
ولقد كان ذلك الانقسام سبيلا لأن يكثر المدنيون، ولأن يوجد فريق لا يأخذون بشىء من هذه المبادىء بل يتركونها وراءهم ظهريا. وبذلك ضعف العقل واحده عن أن ينشىء دينا امرا وناهيا.
الكونفوشيوسية:
١١- وإن البوذية التى ولدت فى الهند كان أكثر تابعيها فى الصين لا فى الهند، وقد انتقلت إليها وثنية، كما كانت فى الهند، واقترن بها ما ليس منها، وانحرفت العقول.
ولكنها إذا انتقلت إلى الصين قد احتضنتها بيئة امتازت من بين البيئات بالوثنية والتمسك بكثير من المبادىء العملية التى تتفق مع قانون الأخلاق إلى حد كبير، ولكن لعدم اعتمادها على عقيدة قوية، كانت فى قلوب شاغرة، وإذا سكنت المبادىء فى قلوب شاغرة عن الإيمان جف عودها، ولم تقو على البقاء.
كان فى الصين فيلسوف يسمى فى لغة الفرنجة كونفوشيوس، وهو تحريف لاسمه الأصلى فى الصين، وهو «كونج فوتس»، وقد أخذ ذلك الفيلسوف بالمذهب البوذى، ولكنه أخذ بمبدأ البوذيين المدنيين، وكان مذهبه ليس دينا يتبعه، ولكنه إصلاح يدعو إليه.
ومع وجود المنهج العلمى فى إصلاح كونج فوتس نجد بجواره فيلسوفا كان أسنّ من كونج فوتس إذ أن هذا ولد سنة ٥٥١ قبل الميلاد، أى أنه يعاصر بوذا، والفيلسوف الاخر واسمه لوتس، كان يكبر الأول بنحو خمسين عاما، ومذهبه هو الاعتزال أو أن ينجو بنفسه ومن يتابعه من المفاسد.
وقد التقى الفيلسوف الشاب كونفوشيوس الذى يرى أن مبادىء الأخلاق يكون أساسها النفع الإيجابى، لا الاعتزال السلبى، بالشيخ لوتس الذى لا يرى إلا الاعتزال السلبى، فتحاورا.
1 / 18