يجهل قط فذاته عالمة، لم تكتب علما لم يكن له، كما قال فى فيد الذى أنزل على براهما: احمدوا وامدحوا من تكلم بفيد. وكان قبل فيد، قال السائل: كيف نعبد من لم يلحقه الإحساس؟ قال المجيب:
تسميته تثبت إنيته، فالخبر لا يكون إلا عن شىء.. والاسم لا يكون إلا لمسمى، وهو إن غاب عن الحواس فلم تدركه، فقد عقلته النفس، وأحاطت بصفاته الفكرة، وهذه هى عبادته الخالصة» .
هذه نقول البيرونى فى كتابه عن الكتب المقدسة الهندية، وهو يدل على ثلاثة أمور:
أولها:
أن هذه الكتب تدل على واحدانية الله ﷾، وتنزهه عن مشابهة الحوادث، فهو ليس كمثله شىء وهو السميع البصير العالم المتكلم، والمتصف بكل كمال، لا يتلاقى فيه مع صفات أحد من البشر. فواحدانيته ﷾ فى الخلق والتكوين، وصفاته العلية، وخلوصه سبحانه بالعبودية لا ريب فيها فى كتب البرهمية الأصلية.
الأمر الثانى:
أن الرسل جاءت إليهم، وقد ذكر أن النصوص الدينية فى التوراة والإنجيل والقران، لا تمنع ذلك بل إنها تؤيده، كما تكون من الايات الكريمات.
وإن براهما- لم يكن إلها، ولا شىء فيه من الألوهية إلا أنه كان رسولا من عند الله تعالى.
والعبارات التى نقلها لنا البيرونى من كتبهم صريحة فى ذلك صراحة مطلقة.
الأمر الثالث:
أن هناك كتابا منزلا تلقاه براهما من ربه، من غير نظر إلى كون ذلك الكتاب حرف فيه الكلم عن مواضعه كما حدث للتوراة والإنجيل، أم لم يحرف، والراجح أنه حرف لتقادم العهد، بدليل أنه وجد عندهم تشبيه ونحل لبراهما وصف فيها بالإله، لا وصف الرسول عند عامتهم.
كتبهم:
٩- للبراهمة كتب كما دلت على ذلك عبارات البيرونى، وأقدم ما عرف من كتبهم الفيدا، ولم يعرف المؤرخون عصره على وجه التحقيق والضبط، وأقصى ما تأكد لديهم أن الفيدا كانت موجودة قبل القرن الخامس عشر قبل ميلاد المسيح ﵇، فقد كانت مع الفاتحين الاريين على أنها من أصول ديانتهم..
والفيدا مجموعة من الأشعار ليس فى كلام الناس ما يماثلها فى نظرهم، ويقول جماهيرهم:
«إن البشر يعجزون عن أن يأتوا بمثلها» ويقول البيرونى أن خاصتهم يقولون أن فى مقدورهم أن يأتوا بمثلها ولكنهم ممنوعون من ذلك احتراما لها. ولم يبين البيرونى وجه المنع: أهو منع بمعنى التحريم، بمعنى أن فى استطاعتهم أن يأتوا بمثلها ويتجهوا إلى ذلك، ولكنهم كلفوا ألا يأتوا، أم أن هذا المنع إنما
1 / 15