فلما سمع ذلك من قولهم نادى ربه: { أني مسني الشيطان بنصب وعذاب } [ص:41] فجاز أن يقول: مسني الشيطان، لما أن كان ذلك من وسوسته وكيده وسببه، فاستجاب الله له فقال: { اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب } [ص: 42]، ولم يقدر أن يرفع يدا ولا رجلا فضرب بعقبه، فانبثقت عليه عين ففارت وارتفعت، حتى كانت أكبر من جلسته، فجعلت تنسكب عليه، وهو يغتسل بمائها وهي تقلع عنه كل ميت، وتنفي عنه ما كان به من الأقذار، وتميط عنه الأذى، وجعل يشرب منها ويخرج ما في جوفه من العلة، حتى نقي بدنه، ورجع إلى أفضل ما كان عليه أولا، ورد الله عليه أهله وماله، وأمره أن يأخذ ضغثا، فيضرب المرأة كفارة اليمين التي حلف.
فقال بعض الرواة: إنه أخذ من هذا الذي يكون فيه التمر، فجمع منه مائة عصا فضربها ضربة. وقال بعضهم: إنه ضربها ضربتين، واختلف في ذلك، غير أن الصحيح من ذلك أنه قد جمع ضغثا فضربها به.
قلت: فإبليس كيف كان إتيانه إلى أيوب صلى الله عليه؟
قال: لم يره عيانا، وإنما سمع كلامه ولم ير شخصه. وقد قال بعض الجهلة إنه تصور له في صورة غير صورته، وليس ذلك كما قالوا، وكيف يقدر مخلوق أن يغير خلقته، ويحول نفسه صورا مختلفة، وليس يقدر على ذلك إلا الله رب العالمين الذي خلق الصور والأجسام، ونقلها من حال إلى حال، فسبحان الله رب العرش عما يصفون، ولا إله إلا هو الرحمن الرحيم.
Shafi 613