ذهب الكل إلى القبور ليذكروا في يوم العيد موتاهم. ولقد تحمل نفسي فوق تذكار الموتى أثقالا من شئون الحياة ومشاغلها. عدت من المقبرة وقضيت بعض ما اصطلح الناس عليه من واجب المجاملة في العيد، ثم قصدت الدار لأستريح فيها، فوجدت على الباب آمنة تمرح وتلعب.
وجدتها إشراقا وبهجة. وجدتها غبطة وسرورا. وجدتها وكأن جميع أعضائها الصغيرة تشير إلى أن أنظر إليها في جلبابها الملون الجميل. أما الشيخ الأسود فكان على مقعده أمام الباب. منحنيا على مسبحته، لا يكترث بشيء إلا بدمدمة الأذكار التي قد تعود ذكرها عندما ترتاح نفسه للعبادة.
لم تكن آمنة لتشعر بما أشعر به من حزن، ولم تكن آمنة ليمر بخاطرها ما يشق على نفسي من المشاغل والواجبات. ولم تكن آمنة لتقدر من الحياة إلا أنها ظفرت بالثوب الجديد، وأنها نالت من بين قريناتها حظوة وبهجة في هذا العيد. لم تكن آمنة لتقدر إلا ذلك. وحرام على الأيام أن تدس في تلك القلوب الغضة إلا ما يلائمها، ويريد الله أن يجعله نصيبها من غبطة وفرح. •••
حرام على الأيام أن تسوق الحزن إلى الصغار. وحرام على الأهل أن يشركوا أبناءهم في أحزانهم، فيصحبوهم معهم إلى المقابر، وقلوب الصغار لم تهيأ إلا للسرور والأفراح.
حرام على هؤلاء الأهل أن يصدعوا تلك الأفئدة التي لا تريد إلا أن تدق ببهجة الحياة، فيحولوا بينها وبين بهجة الحياة. حرام أن نشرك الصغار في آلامنا، وحسب الصغار ما تعده لهم السنون والأيام من شدة ومحن. •••
لقد حاولت أن أفرح بالعيد كما تفرح آمنة، ولكن هيهات هيهات! فقد حالت السن؛ بل وقد حالت المشاغل بيني وبين سذاجة المسرة. لم يعد للذين جف ماء الفرح من قلوبهم إلا أن يستفيضوه من نفوس الفرحين. وهل أدنى إلى الفرح من قلوب الصغار والآملين والأصحاء المعافين والمنعمين الذين غفلوا عن حوادث الدهر، وغفلت عنهم عيون الأيام! إن هؤلاء هم الذين تنجذب إليهم من الوجود مظاهر السرور، كما تنجذب إلى الحديد الكهرباء، فلننتفع بخصائصهم، ويجب أن ننال عنهم قسطنا من السرور، ويجب أن نمهد لهم حياة الأفراح حتى يفيض علينا شيء من بهجتهم يسرى عن نفوسنا سحائب الألم.
لم يبق لي ولا مثالي من أيام الأعياد إلا ابتسامة نأخذها مما يفيض من شفتي أمثال آمنة.
قرابين الانتخاب
القاهرة في 8 من يوليه سنة 1923
كان الناس في قديم الزمان يقدمون القرابين والضحايا رغبة في رضاء آلهتهم، أو لاستغفارهم من الذنوب، أو ليجعلوا مما يقدمون وسيلة لمعرفة شيء من علم الغيب، والوقوف على كل شيء من أسرار الإلوهية وعزتها.
Shafi da ba'a sani ba