92

Taswirar Sani

خريطة المعرفة: كيف فقد العالم أفكار العصر الكلاسيكي وكيف استعادها: تاريخ سبع مدن

Nau'ikan

كان هذا هو المخطوط نفسه الذي كان هنريكوس أريستبوس قد جلبه إلى صقلية من القسطنطينية؛ وهو موجود اليوم في مكتبة سانت مارك الوطنية في فينيسيا. في عام 1496، أي بعد ثلاثين عاما فقط من انتهاء ريخيومونتانو منه، طبع «الملخص» في فينيسيا، وأصبح كتابا دراسيا معتادا في المنهج الدراسي للجامعة وأتاح لعلماء الفلك المستقبليين، كوبرنيكوس وبراهي وكيبلر وجاليليو، إمكانية الاطلاع على عبقرية نظام بطليموس، والأهم من ذلك الاطلاع على أخطائه. وخلال معالجتهم لهذه المشكلات المحددة، توصلوا إلى حلول مبتكرة دفعت علم الفلك قدما نحو عهد جديد من الفهم.

تمكن بيساريون من إقناع ريخيومونتانو بالعودة معه إلى إيطاليا حتى يتمكنا من متابعة العمل معا. كانت علاقتهما واحدة من أهم وأخصب العلاقات العلمية البحثية في ذلك الوقت؛ إذ علم بيساريون ريخيومونتانو اليونانية، بينما تشارك ريخيومونتانو مع راعيه فهمه الواسع للرياضيات والفلك، وكتب ملاحظات على مخطوطات أطروحة «العناصر» وكتاب «المجسطي» ليفسر مسلمات إقليدس ونموذج بطليموس للكواكب. وصلا إلى منزل الكاردينال في روما في العشرين من نوفمبر سنة 1461، وألقى ريخيومونتانو أول نظرة له على مكتبة راعيه المذهلة، التي «باستثناء أعمال ببس الرومي ... احتوت على كل مصدر كلاسيكي أساسي لنهضة الرياضيات».

7

لا بد أنه كان حدثا هائلا في حياة عالم الفلك الشاب؛ فعندما كان ريخيومونتانو شابا، أسعده الحظ بالدراسة تحت إشراف بيورباخ، الذي لم يتشارك معه ولعه بالعلم فحسب، وإنما كان قد زار إيطاليا ودونما شك أحضر معه لدى عودته كتبا لم تكن متاحة في أي مكان آخر في النمسا. لا بد أن الوصول إلى روما لأول مرة كان تجربة مدهشة، من رؤية للخرائب الكلاسيكية المتناثرة عرضا في أنحاء المدينة، والشعور بأصداء الماضي القديم في كل مكان. وما كان منزل بيساريون ليخيب توقعه؛ من باحثين يشحنون الجو بجدال محتدم باليونانية والإيطالية واللاتينية؛ والمنسخ بصفوف طاولات كان يجلس إليها النساخ وينقشون على رزم من جلد الرق والورق؛ ثم بعد ذلك الكتب؛ إذ وجد مئات منها، تملأ خزائن في الحوائط، بعضها جديد تماما، وبعضها قديم. لا بد أن مشهدها بهر ريخيومونتانو.

لم تكن مكتبة بيساريون هي المجموعة الرائعة الوحيدة في روما في ذلك الوقت؛ ففيما بين عامي 1447 و1455، كانت مكتبة الفاتيكان قد تحولت على يد البابا المنتمي إلى حركة النزعة الإنسانية نيكولاس الخامس، الذي كان معجبا ولعا بالتعليم الكلاسيكي وتلميذا سابقا لكريسولوراس. كان يجتذب جامعي الكتب والباحثين من كل أنحاء إيطاليا للمجيء والدراسة في الديوان البابوي، وأرسل وكلاء إلى الدنمارك وألمانيا واليونان بحثا عن نصوص جديدة، فزادت مقتنيات المكتبة من عدد ضئيل بلغ 340 مجلدا إلى 1160 عندما وافته المنية.

4

كانت النصوص اليونانية تترجم بانتظام على يد فريق ضم بوجيو وشريكه القديم صائد المخطوطات جيوفاني أوريسبا ولورينزو فالا وكثيرا من الباحثين اليونانيين الذين وصلوا حديثا من القسطنطينية. تحت إرشاد نيكولاس الخامس، كانت مكتبة الفاتيكان قد وضعت على مسار التحول إلى أكبر مستودعات النصوص في العالم قيمة وإثارة للإعجاب؛ فهي تحوي اليوم 60 ألف مخطوطة و8000 من كتب المراحل الأولى لعصر الطباعة. كان بيساريون مشاركا عن كثب في هذا المسعى، ناصحا ومشجعا صديقه. عرف البابا والكاردينال بعضهما بعضا جيدا، وبقدر ما جمعهما منصباهما في الكنيسة، جمعهما ولعهما بطلب العلم، وبالرياضيات تحديدا.

5

طوال الأعوام القليلة التالية، جاب ريخيومونتانو أنحاء إيطاليا، وكان ذلك في أغلب الأحيان بصحبة بيساريون، ملتقيا بالإنسانيين العظام في ذلك الوقت؛ ليوناردو بروني وليون باتيستا ألبيرتي وتوسكانيلي وآخرين غيرهم. وألقى سلسلة من المحاضرات في بادوا عن «كل تخصصات علم الرياضيات»؛ وفي ذلك الفلك العربي، والجهد الذي بذله بشأن كتابات أرشميدس، والكثير غير ذلك بلا شك. زار ريخيومونتانو فينيسيا مع بيساريون، عندما أرسل الكاردينال إلى هناك موفدا باباويا، وزار أيضا فيتيربو (حيث قام بعمليات الرصد الفلكي خاصته)، وفيرارا وربما أيضا فلورنسا. كذلك وجد متسعا من الوقت ليكتب عملا رائدا عن حساب المثلثات. ومع ذلك، بحلول عام 1467، كان قد ودع الكاردينال وعاد إلى النمسا، وربما ما دفعه إلى العودة هو رغبة في مشاركة المعرفة التي اكتسبها مع مواطنيه، كما فعل مرشده، بيورباخ من قبله.

كان بيساريون قد زار فينيسيا مرات كثيرة وافتتن بسحر المدينة الواقعة على البحيرة الشاطئية. فبصفته موفدا، كان قد أقام في الدير البندكتي على جزيرة سان جورجيو ماجيوري، ومن هناك كان بمقدوره أن يتطلع عبر مياه البحيرة الشاطئية الباهتة نحو ساحة قصر الدوقية وواجهته الجديدة، تتألق تحت أشعة الشمس، ولكن لم يكن جمال فينيسيا وحده هو ما أعجبه. فقد كان معجبا بنظام الحكم الفريد - «أكثر الجمهوريات سكينة» - وفتنه تقاربها مع وطنه. في عام 1468، كان الكاردينال في الخامسة والستين من عمره، وكان قد بدأ يفكر فيما يمكن أن يحدث لمجموعة كتبه الآخذة في الازدياد عندما يفارق الحياة. كان الفاتيكان، القريب جدا من منزله في روما، هو الاختيار الواضح. كذلك فكر في فلورنسا، موطن كثير من رموز عصر النهضة الريادية الفاعلة، الذين كانوا رائدين في استخدام الرياضيات في الفنون. كانت قبة برونليسكي الثمانية الأضلاع، المستوحاة من العمارة الكلاسيكية والتي أمكن بناؤها بفضل الهندسة التطبيقية، ورافعات ضخمة، قد اكتملت منذ وقت قريب، بينما كانت إعادة اكتشافه للمنظور الخطي تحدث تحولا في طريقة تصوير الفنانين للعالم، ولكن الرب أنعم بالفعل على فلورنسا بمجموعة كتب رائعة، أشهرها تلك الكتب التي أنشأتها عائلة ميديشي الحاكمة؛ مكتبة عامة في دير سان ماركو ومكتبة خاصة في منزلهم. لم تمتلك فينيسيا شيئا مماثلا؛ ومن ثم عزم بيساريون على أن يوصي بمجموعته الثمينة للمدينة، وكتب إلى الدوق كريستوفورو مورو:

Shafi da ba'a sani ba