Taswirar Sani
خريطة المعرفة: كيف فقد العالم أفكار العصر الكلاسيكي وكيف استعادها: تاريخ سبع مدن
Nau'ikan
تدفقت المعرفة إلى بغداد من كل حدب وصوب، وبلغات متنوعة. كانت الكنيسة المسيحية في الشرق الأوسط راسخة، وتضخمت أرقامها بسبب المسيحيين السريان، الذين كانوا قد انشقوا عن الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية الرئيسية على خلفية خلافات مذهبية وأنشئوا كنيستهم النسطورية الخاصة بهم. وإذ كانوا مضطهدين من قبل السلطات في بيزنطة في القرن الخامس، كان كثيرون منهم قد فروا إلى الإمبراطورية الفارسية، حيث أقاموا مراكز للتعليم المسيحي في أنطاكية، وإديسا، ولاحقا في نصيبين؛ مدينة الورود البيضاء والخمر والعقارب. في هذه المدن، كانت العلوم الإغريقية من لاهوت وفلسفة وطب وفلك تدرس وتدرس باللغة السريانية؛ وهي إحدى اللهجات الآرامية واللغة الفصحى للشرق الأوسط المسيحي. جلب رجال، مثل ثيوفيلوس إديسا، كبير منجمي البلاط العباسي، أعمال أرسطو وفلاسفة إغريق آخرين معهم إلى بغداد. وكان للمسيحيين النسطوريين علاقات وثيقة بالمعارف اليونانية القديمة وكانت خبرتهم وترجماتهم الأولى للكتب اليونانية من السريانية إلى العربية أساس المعارف العلمية في بغداد. درس الباحث السرياني ساويرا سابوخت (575-667) كتاب «المجسطي» وكتب أطروحة عن الفلك أوصى فيها بكتابات بطليموس لأي شخص يريد أن يتعمق أكثر في هذا الفرع من العلم.
بينما كانت المخطوطات تترجم من السريانية والبهلوية إلى العربية، بدأ الباحثون في بغداد يدركون مدى اتساع المعرفة القديمة، ومقدار ما يعد بعيد المنال. كان المنصور نفسه قد كتب إلى الإمبراطور البيزنطي يطلب منه نصوصا علمية. لم يكن سرا أن مخطوطات يونانية قديمة كثيرة كانت مخبأة خلف أسوار القسطنطينية المحصنة، وهي مدينة استعصت على الغزو وحافظت على آثارها ومكتباتها القديمة. ورد الإمبراطور بإرسال صندوق من الكتب العلمية، تشمل أطروحة «العناصر» لإقليدس. في العقود التالية، ترجمها الباحثون إلى اللغة العربية، مبتدئين تراثا ثريا من دراسة علم الرياضيات. لم يكتب البقاء للنسخة الأصلية، ولكن توجد نسخة مماثلة، صنعت بعد ذلك بنحو مائة عام في القسطنطينية، وهي موجودة الآن في مكتبة بودلي. أضيف إلى هوامش مخطوطتها اليونانية الدقيقة تعليقات وضعها مالكها الأول، أريثاس من باتراس، أسقف قيصرية، بينما كان يحاول إتقان نظريات إقليدس. كانت نسخة المنصور هي أول نسخة، بلغت إلى علمنا، تصل إلى بغداد. إن كان ثمة نسخة أقدم من أطروحة «العناصر» بالسريانية، فإنه لم يكتب لها البقاء، ويبدو أن المنصور لم يحصل على نسخته مترجمة مباشرة؛ فأول نسخة عربية أنتجت في حكم هارون الرشيد.
أتت أيضا الأفكار الرياضية إلى بغداد من الشرق. ففي عام 771، وصل رحالة إلى المدينة ومعه نسخة من عمل فلكي باللغة الهندوكية يدعى «سيدهانتا» (مستهل الكون)، للعالم الرياضي الهندي براهماجوبتا (598-668). على عكس إقليدس، لم يبين براهماجوبتا بوضوح فرضياته الرياضية ببراهين، وإنما أضفى عليها غموضا (كما كان معهودا في الرياضيات الهندية) تحت ستار من الشعر؛ كانت جميلة، ولكن من الصعب للغاية فك طلاسمها. وعهد المنصور لمنجم بلاطه، الفزاري، بالمهمة الجبارة المتمثلة في ترجمة كتاب «سيدهانتا»، الذي أدخل إلى بغداد مبدأ «الترميز الموضعي»؛ وهي الطريقة التي نكتب بها إلى يومنا هذا، باستخدام الأرقام 1 إلى 9، في أعمدة من الآحاد والعشرات والمئات وهلم جرا. كانت الإمكانيات التي فتحها هذا النظام غير محدودة، وعندما اتبع في النهاية، أحدث تحولا في فرع الرياضيات بأكمله بإتاحته عمليات حسابية كانت ستصبح مستحيلة بالنظام الرقمي الروماني القديم. كان الترميز الموضعي معروفا بالفعل في سوريا وأعجب به ساويرا سابوخت، الذي كتب عن «الرموز التسعة» لعلماء الرياضيات الهنود في عام 662.
في جانب مبتكر من كتاب «سيدهانتا»، أدرج براهماجوبتا قواعد الصفر؛ الرمز الغامض للعدمية، «نقطة الارتكاز بين السالب والموجب» الذي «يحل أسرار الكون».
12
كانت هذه الفكرة الرياضية الأساسية قد تطورت تدريجيا في أشكال وأماكن متعددة ومختلفة. ومن المفارقات، أن أول رمز مكتوب للصفر معروف لدينا كان منحوتا على لوح شمعي، في عام 3000ق.م تقريبا، في سومر، على مقربة من بغداد. في هذه الحالة، يستخدم الصفر باعتباره رمزا بسيطا (إسفينين قطريين)، شاغلا مكانيا، يشير إلى فجوة بين سلسلة من الأرقام.
انتشرت الفكرة تدريجيا. فأصبح الصفر، بوصفه شاغلا مكانيا، أداة معتادة في مسك الدفاتر، ويكتب على إيصالات مصنوعة من قطع من اللحاء، موضوعة في أخراج التجار ومحمولة بين أسواق طرق الحرير وعبر موانئ الخليج الفارسي. وفي الهند، تحول تدريجيا من رمز محاسبة مفيد يشير إلى غياب شيء ما إلى الفكرة العالمية للمعدوم وعدد في حد ذاته. ينبع مفهوم الصفر نفسه من الكلمة الهندية
sunya ، التي تعني «عديم القيمة»، وهو مفهوم أساسي في الفلسفة البوذية. في الهند، ارتقى افتتان أتباع الجاينية بالأرقام الكبيرة وبفكرة اللانهائية بالرياضيات عاليا نحو عالم الفلسفة، الذي أصبحت فيه مجردة؛ إذ تحررت من قيود ضرورات الحياة اليومية.
11
وأصبحت الأرقام كيانات في حد ذاتها؛ فلم تعد تمثل فقط جمالا أو ثمار مشمش أو حبات من الفضة كثيرة جدا.
Shafi da ba'a sani ba