وكتب كتبه إلى كل ملك في الدنيا وجهاتها وأقطارها يأمرهم فيها أن يجمعوا ما في بلادهم من أصناف ما ذكر، وأن يحتفروا معادنها ويستخرجوها من التراب والصخور والمعادن والأحجار وقعور البحار، فجمعوا ذلك في عشر سنين وكان عدد الملوك المبتلين بجمع ذلك ثلثمائة وستين ملكًا وخرج المهندسون والفعلة والحكماء والصناع من سائر البلاد والبقاع والبراري، وتبددوا في البراري والقفار والجهات والأقطار حتى وقفوا على صحراء عظيمة فيحاء نقية خالية من الآكام والجبال والأودية والتلال، وإذا بها عيون مطردة وأنهار متجعدة، فقالوا: هذه صفة الأرض التي أمرنا بها ونبذنا إليها. فاختطوا بفنائها بقدر ما أمرهم به شداد ملك الأرض من الطول والعرض، وأجروا فيها قنوات الأنهار ووضعوا أساسات على المقدار، وأرسلت إليهم ملوك الأقطار بالجواهر والأحجار واللؤلؤ الكبار والعقيان النضار على الجمال في البراري والقفار وفي البحر أوسقوا بها السفن الكبار ووصل إليها من تلك الأصناف ما لا يوصف ولا يعد ولا يحصى ولا يكيف.
فأقاموا في عمل ذلك ثلثمائة سنة جدًا من غير تعطيل أبدًا؛ وكان شداد قد عمر في العمر تسعمائة سنة. فلما فرغوا من عمل ذلك أتوه وأخبروه بالإتمام، فقال لهم شداد انطلقوا فاجعلوا عليها حصنًا منيعًا شاهقًا رفيعًا واجعلوا حول الحصن قصورًا، عند كل قصر ألف غلام ليكون في كل قصر منها وزير من وزرائي.
فمضوا وفعلوا ذلك في عشر سنين ثم حضروا بين يدي شداد وأخبروه بحصول القصد والمراد فأمر وزراءه وهم ألف وزير، وأمر خاصته ومن يثق بهم من