فنظرت الفتاة إلى حيث يشير فرأت المقبرة الصغيرة وقالت باسمة: فلنقرأ إذن الفاتحة.
فقرءا الفاتحة معا، ثم قال رشدي: هنا يرقد الأجداد، وآخرهم جداي لوالدي، وأخي الصغير. - ومتى توفي أخوك هذا؟ - من زمن بعيد ونحن بعد أطفال.
وطرحا القبور وحديثها وراء ظهريهما، واستعادا الصفاء والسرور، دون التفات إلى وجه التناقض الساخر ما بين حديث الحب وحديث القبر، ولا كدرا صفوهما بأن يتساءلا مثلا عما يتبقى لهما من عمر يقضيانه في الدنيا، أو عما ينتظر حياتهما من أحداث قبل أن يرقدا في تلك المقبرة أو في أخت لها، لم يلتفتا لشيء من هذا ولكنها قالت مستوصية بشيء من الشجاعة: ولكننا لم نتعارف بعد! - ألسنا جيرانا؟! - بلى ولكني لا أعرف اسمك. - سامحك الله، اسمي رشدي، رشدي عاكف! - كيف يسيئك هذا وأنت تجهل اسمي أيضا! - معاذ الله! - أعرفته من أول نظرة أيضا؟
فضحك رشدي بسرور، وحنى رأسه أن نعم، فسألته: فما اسمي؟ - إحسان!
فضحكت بصوت مسموع وقالت بإنكار: أهكذا تختلق الأسماء! - بل هو اسمك ! - أخطأت يا سيدي ولعلك رمت غيري فارجع بسلام! - ولكني سمعت والدتي تتحدث عن والدتك مرة فتدعوها «ست أم إحسان». - فحسبت أن إحسان هي أنا! - نعم.
فضحكت مرة أخرى حتى تورد وجهها الأسمر وقالت: هذا اسم أختي الكبرى، وقد تزوجت منذ عامين!
فابتسم رشدي كالخجل وقال: لا تؤاخذيني، فما اسمك إذن؟ - نوال. - عاشت الأسماء!
فترددت لحظة ثم رمقته بنظرة ماكرة وتساءلت: أأنت تلميذ؟ - نعم بمدرسة العباسية للبنات. - موظف إذن؟ - ببنك مصر!
فابتسمت قائلة: أما أنا فموظفة بوزارة المعارف!
وضحكا معا، ثم رأيا أنهما يشارفان العباسية، فأدرك رشدي أن أول لقاء لحبه الجديد يؤذن بالانتهاء، أما هي فقالت: حسبك هذا فينبغي أن نفترق هاهنا.
Shafi da ba'a sani ba