ذلك السني لا أمر به حتى يصر على الترحيب بي بصوت كأصوات المنشدين! لا يختلف باطنه عن الآخرين، ولكن له طريقته الشريرة الخاصة به، ولا يبعد أن يفاجئني ذات يوم بحلم جديد. لم أشغل نفسي به، كأنه المكروه الأوحد في هذه الدنيا؟ إن أمراض الأحزان تزحف على أصحابنا، وعلي أن أقاوم، ألا أبالي، وغير ذلك من الكلمات التي لم يعد لها أي معنى البتة. وزوجه تبالغ في إعلان المرح، وخاصة في النادي. جدران النادي تضج بالضحك كل ليلة، ضحك المجانين. ويقولون - رغم ذلك - إننا وقعنا في شرك كبير، ما زال به متسع للحركة، ولكنه قد من صلب لا ينكسر ولا يلين. وإذا به يقع في شرك آخر من صنع يده. أجل، قرر أن يعشق الراقصة الألمانية بملهى الكونتننتال الليلي. أسرته كبرياؤها قبل شقرتها، عندما قالت له خلال حوار طويل: كنا وما زلنا الأسياد!
فقال لها بتأثر: إني أعشق حزنك كما أعشقك.
وهي حادة كالنصل، ولكنها مستكنة في غطاء حريري، أما زوجه فقد تدهور بها الحال رغم المرح التمثيلي، وقد رثى لها، ولكن حبها مضى سريعا نحو موت غير متوقع، وعندما أممت الشركة، جرى كل شيء نحو الموت، وقالت زوجه إنه يجب الإسراع ببيع الحديقة والعمارة. هذا رأي، ولكن أين الشاري؟ وأين يضعون الأموال؟ وقال: خير ما نفعل ألا نفعل شيئا.
واستسلم بكليته إلى غرامه، وقال إن عناصر بيولوجية وفسيولوجية تتعاون على تحطيمه من الداخل، فلا يجوز أن يقويها بتعاسة إرادية في سلوكه الخارجي.
وخطر السني على باله، وهو يحلق ذقنه ذات صباح، فغمغم: أي حلم يا فاجر؟! •••
سأله الشيخ: أتصغي إلي حقا؟
فأجاب بارتباك وحياء: نعم يا مولاي.
رمقه بأسف، وقال: إنك لا تواظب على الحضور. - الحق. - شغلتك الدنيا. - أبدا، ولكنني أبحث عن شقة فوق سطح الأرض.
بدا الشيخ فاترا على غير عادة، فتمنى الرجل ألا يكون انقطاع العطايا - نتيجة لتغير الظروف - وراء ذاك الفتور. وعاد الشيخ يقول: علاوات ومشاركة في الأرباح، ماذا تفعل بما من الله به عليك من نعم؟ - ما يفعل العطشان إذا وجد فنجال ماء. - ولكن الدنيا لم تشبع طالبا لها. - ما طلبت إلا الستر. - لقد غرتك الحياة الدنيا. - أبدا، والله شهيد. - أقول لقد غرتك الحياة الدنيا.
وفصل بينهما الصمت مليا، ثم قال الرجل بحذر: هل من بأس في أن أرشح نفسي لمجلس الإدارة؟ - الإدارة؟! - عمل نافع، وأنا رجل محبوب بين الزملاء. - لا تسل أهل الطريق عن ذلك. - قال رجل صادق إن الحياة في عبادة كما في الخلوة.
Shafi da ba'a sani ba