ولكنه قاطعه متسائلا: بم تقسم إن طالبتك بقسم؟
دب أمل طفيف في النفوس، وقال الكهل بحرارة: بما تشاء، بأولادنا، بالله العظيم! - لا قيمة لشيء عند زبائن خمارة حقيرة كهذه الخمارة! - لسنا كما تظن، نحن آباء صادقون، ومؤمنون مخلصون، ولا يمنع ذلك، أو لعله بسبب ذلك تشتد حاجتنا إلى الترويح عن النفس المثقلة.
فصاح بصوت مدو: أوغاد أنذال، تحلمون ببناء القصور بلا جهد، ولكن بالاستغلال الدنيء للحكاية! - نقسم بالله العظيم بأننا ما علمنا بالحكاية، ولا فكرة لنا عنها. - من منكم بلا حكاية يا جبناء! - إنك لم تتكلم، كانت شفتاك تتحركان، ولكن لم يصدر عنهما صوت! - لا تحاول خداعي يا مخرف. - يجب أن تصدقنا وتتركنا لحالنا. - الويل لكم إذا تحركتم، الويل لكم إذا غدرتم، وإذا وقعت الواقعة فسوف أهشم رءوسكم وأقيم منها متاريس أسد بها الممشى.
الرجل مخيف حقا، ولعله خائف أيضا، وسيضاعف ذلك من سوء المصير. وزحف اليأس إلى القلوب كموجة من البرد المميت، ولم يكف عن الشراب، رغم أنه لا يسكر ولا يفتر ولا يهمد، وها هو يعترض المنفذ الوحيد للمكان، قويا عنيفا فولاذي المبنى مثل قضبان النافذة.
راحوا يتبادلون النظرات بلا أمل، كلما لمحوا شبحا ما وراء القضبان، هفت أنفسهم إليه، ولكن دون أن تند عنهم حركة ما، وحتى القط الأسود بدا أنه هجرهم تماما ومضى ينعم بالسبات، واشتد الحصر بأحدهم فتساءل في إشفاق: أذهب إلى المبولة؟
فهتف الغريب غاضبا: من قال لك إني مرضعة؟!
فتأوه الكهل قائلا: هل كتب علينا أن نبقى هكذا حتى الصباح! - أنتم سعداء إذا طلع الصباح عليكم.
المناقشة عبث؛ الرجل مجنون أو مطارد أو كلاهما معا، وقد تكون وراءه حكاية، وقد يكون وراءه لا شيء، وهم سجناء رغم كثرتهم، وإنه لقوي شديد، وهم لا قوة لهم ولا عزم، ولكن ألا يوجد سبيل للمقاومة؟ المقاومة من أي نوع كان؟
عادوا يتبادلون النظرات، وقد تجسد النكد في أعينهم، وجرى الهمس تحت مستوى سمع الغريب: أي داهية؟ - أي ذل؟ - أي خزي؟
وإذا بنظرة عين تشي بما يشبه الابتسامة، بل هي ابتسامة، ابتسامة حقا! - لم لا، إنه لموقف مضحك. - مضحك؟! - تأمله بحياد مؤقت تجده مهلكا من الضحك! - حقا؟ - أخشى أن أنفجر ضاحكا.
Shafi da ba'a sani ba