ومن الروايات ما تزعم أن مالكا حارب السرايا التي أوفدها خالد فقتل، ومنها ما تزعم أنه وقع أسيرا في القتال فأمر بضرب رقبته مع الأسرى الآخرين، والبعض الآخر من الروايات تذكر أن خالدا أراد قتل الأسرى بما فيهم مالك، إلا أن أبا قتادة شهد أنهم أذنوا وقاموا وصلوا، فلما اختلفوا فيهم أمر خالد أن يحبسوا، وكانت الليلة شديدة البرد، فأمر خالد مناديا فنادى أن أدفئوا أسراكم، وكانت كلمة الدفء في لغة كنانة تعني القتل فقتلهم الخفراء، وقتل ضرار بن الأزور مالكا.
وكان قتل مالك على هذه الصورة، وتزوج خالد بامرأته ليلى بعد قتله بمدة قصيرة؛ وهذا مما جعل عمر ينقم على خالد، فطلب من أبي بكر أن يعاقبه على فعلته هذه، فاضطر الخليفة إلى استقدام خالد إلى المدينة وطلب الإيضاحات منه، فلما اقتنع أن خالدا لم يقصد قتل مالك أعاده إلى جيش المسلمين وكلفه بالمسير إلى اليمامة ليقاتل مسيلمة الكذاب. (22) الحركات في اليمامة
من الصعب التثبت من المدة التي قضاها خالد بن الوليد في البطاح حتى نعلم الوقت الذي تقدم بجيشه نحو اليمامة لمقاتلة بني حنيفة. فيكاد أكثر المؤرخين من العرب يتفق على أن القتال في اليمامة وقع في أوائل السنة الثانية عشرة الهجرية. أما أبو بشر الدولابي واليعقوبي فيزعمان أن القتال وقع في شهر ربيع الأول من السنة المذكورة.
فمبدأ السنة الثانية عشرة الهجرية يوافق شهر آذار (أبريل) سنة 633 ميلادية، والذي نعلمه أن خالدا توجه من ذي القصة نحو بزاخة في منتصف شهر أيلول (سبتمبر)، أو شهر تشرين الأول (أكتوبر).
وقضى خالد في حركته نحو بزاخة أكثر من عشرين يوما يترقب أخبار طيء، وبعد انتصاره على جيش طليحة بن خويلد مكث في بني أسد مدة غير قصيرة ليقبل إسلام المرتدين ويجمع منهم السلاح. أضف إلى ذلك قتاله في ظفر وانتظاره مجيء رؤساء بني عامر.
ويدعي المؤرخون أن مالك بن نويرة قتل خطأ في ليلة شديدة البرد. وعلى ما في كتاب الطبري رواية عن سيف بن عمر أن الأسرى من يربوع حبسوا في ليلة باردة لا يقوم لها شيء. والليالي الشديدة البرد في البادية تقع في أشد شهري الشتاء بردا، وهما كانون الأول (ديسمبر)، وكانون الثاني (يناير). إذن وقع القتل بين أواخر كانون الأول وأوائل كانون الثاني، فتكون حادثة البعوضة
1
وقعت بين شهري شوال وذي القعدة في السنة الحادية عشرة الهجرية.
يقينا أن خالدا قضى مدة غير قصيرة في البطاح وقضى وقتا في ذهابه إلى المدينة ملبيا دعوة الخليفة. ولما عاد منها لم يحرك جيشه نحو اليمامة بمجرد وصوله إلى المعسكر؛ بل انتظر مدة لورود النجدة التي أمد بها الخليفة جيش المسلمين. فيظهر من كل ذلك أن الحركة من البطاح نحو اليمامة وقعت في أوائل السنة الثانية عشرة الهجرية؛ أي في ربيع سنة 633 ميلادية في شهر آذار أو شهر نيسان (مايو).
ومن رواية رواها أبو هريرة نستدل على أن سلمة بن عمير الحنفي كان يشجع بني حنيفة على المقاومة بعد معركة عقرباء فينادي قائلا: «يا بني حنيفة، قاتلوا عن أحسابكم ولا تصالحوا على شيء، فإن الحصن حصين، وقد حضر الشتاء.» ومعنى ذلك أن الحركات في اليمامة جرت في صيف الثالثة عشرة الهجرية؛ أي بدأت حوالي شهر مايو لسنة 633 ميلادية. (23) منطقة الحركات
Shafi da ba'a sani ba