في غزوة بدر تدل على فكرة التعبئة عند العرب. كانت قوة المسلمين تبلغ ثلاثمائة مقاتل بينهم خيال أو خيالان فقط، بينما كانت قوة قريش تربو على الألف وفيها مائة خيال.
وكان القصد من هذه الغزوة مباغتة قافلة قريش عند عودتها من الشام إلى مكة، ولما وصلت قوة المسلمين إلى مياه بدر علمت من الأسرى أن قريشا أنجدت القافلة بقوة كبيرة كانت ثلاثة أضعاف قوة المسلمين، وكان لا بد من الاصطدام؛ لأن انسحاب المسلمين دون القيام بعمل ما، يؤثر في سطوة الإسلام ويشجع المنافقين على الشغب.
لذلك قرر الرسول أن يقاتل قريشا بقوته الضعيفة على أن يزيد مناعتها بالتدابير التعبيرية الموافقة، فاختار موضعا يهيمن على معسكر قريش وقسم قوته إلى ثلاثة أقسام، وجعل لكل قسم قائدا، ورتب الأقسام بعضها بجانب بعض وعبأها صفوفا كالبنيان المرصوص، وعرض الصفوف بنفسه فقدم المتأخر من الجنود وأخذ المتقدم منهم، فأصبحت الصفوف متراصة.
ومنع المسلمين من رمي السهام ومن التفاخر، وطلب منهم ألا يتقدموا من محلهم، ولا يرموا إلا بعد أن تدنو قريش منهم على مسافة قريبة، وكان يقصد بذلك أن تصيب السهام قوة قريش الفائقة فلا تتبعثر. وبفضل هذه الترتيبات انتصر المسلمون على قريش مع قلة عددهم وضآلة سلاحهم، ولا شك في أن القتال بالكر والفر كان شائعا عند العرب، ولعلهم كانوا يستعملونه كثيرا في غزواتهم لأخذ الثأر أو لجر مغنم، وكان يقع بين متقاتلين يبلغ عددهم العشرات ولا يجاوز المئات، ولما كانوا يقاتلون بالجموع في أيامهم الشهيرة أو في مقاتلتهم الفرس أو الروم كانوا بلا ريب يعبئون قواتهم صفوفا. (3) الحركات الأولية
والواضح من أخبار الرواة أن مناوشات طفيفة وقعت قبل أن يتسلم خالد بن الوليد قيادة الجيش للقضاء على أهل الردة في بلاد نجد.
والظاهر أن الرواة لم يتفقوا على أخبار هذه المناوشات جديا على عادتهم، والروايات المنتهية إلى سيف بن عمر، وهو الراوي الذي يستند إليه الطبري في ذكر الكثير من أخباره، تبحث في قتال عنيف وقع بين المسلمين وأهل الردة قبل أن يزحف خالد بجيشه إلى طليحة بن خويلد الأسدي في بزخ. أما الأخبار التي يرويها الواقدي والبلاذري فتذكر قتالا طفيفا جرى في ذي القصة أو البقعاء بين مقدمة المسلمين وعبس وذبيان انتهى بهزيمة المرتدين بعد أن رأوا أن كوكب (القسم الأكبر) جيش المسلمين وصل لنجدة المقدمة، وأن قسما من هذا الجيش طاردهم إلى ثنايا العوسجة، ولما لم يلحق بهم عاد إلى المعسكر، ولم يتفق الرواة على هذا القتال أجرى قبل عودة جيش أسامة بن زيد أم بعد عودته من بلاد الشام.
ومن الأخبار ما تروي أن كبار الصحابة أشاروا على أبي بكر ألا يرسل جيش أسامة بعد أن وردت الأخبار بارتداد العرب، إلا أن أبا بكر لم يقدم على تغيير ما أمره الرسول به في حياته، والذي اتفق عليه الرواة أن جيش أسامة لم يغب عن المدينة أكثر من شهرين، وكان الجيش متجمعا في الجرف في شمال المدينة لما توفي الرسول، ومع أن أكثر الرواة يزعم أن أخبار الارتداد في الشرق والشمال والجنوب الشرقي وردت قبل حركة جيش أسامة؛ وذلك ما جعل كبار الصحابة يشيرون على الخليفة بإبقاء الجيش ليعتز المسلمون به في محاربتهم أهل الردة، إلا أن الواقع لا يؤيد ذلك؛ إذ لا يعقل أن يصل نعي النبي إلى بلاد عمان والبحرين فيرتد أهله، ويصل ذلك النعي إلى المدينة وجيش أسامة قاعد لا يحرك ساكنا، وإذا كان الخليفة يريد أن ينفذ أوامر الرسول، فلماذا يؤخر حركة هذا الجيش طول هذه المدة، وتدل الأنباء على أن أول من أنبأ بالارتداد عامل المكة، وأعقبه عامل الطائف بالخبر، ثم ورد عمرو بن العاص إلى المدينة بخبر ارتداد أهل عمان والبحرين ونجد، وكان الرسول بعد حجة الوداع قد أوفده إلى عمان، فلما بلغه نعي النبي
صلى الله عليه وسلم
قفل راجعا إلى المدينة، وأخبر بوضوح أن العرب ارتدت من ربى إلى المدينة، والمدة التي تصل فيها أخبار الوفاة إلى عمان ليست قصيرة، كما أن السفر من عمان إلى المدينة أيضا يتطلب عدة أيام، أما المسافة بين عمان والمدينة 1250 ميلا (أعني مسيرة أكثر من عشرين يوما على الذلول).
ومن الواضح أن كبار الصحابة لم يرتئوا إبقاء جيش بمجرد رؤيتهم قبائل فزارة وغطفان يرتدون، والأمر الذي لا شك فيه أن خبر امتناع بعض القبائل العربية القريبة من المدينة عن تأدية الزكاة ورد إلى المدينة قبل حركة جيش أسامة، وإذا صح ادعاء الرواة فإن خبر ارتداد العرب في أقصى البلاد ورد إلى أبي بكر، فأطلعه على حرج الموقف قبل سفر جيش أسامة، فيكون الخليفة قد جازف مجازفة خطيرة بإيفاده الجيش شمالا، بينما كان الخطر يهدد المسلمين في عقر دارهم.
Shafi da ba'a sani ba