في اللغات الأوروبية. (4)
أن يعرف لغة ما، وخير اللغات التي يعرفها هي لغته التي نشأ عليها. •••
هذه هي الشروط الأربعة للرجل المهذب أو الرجل المثقف كما يراها الدكتور ولسون، ويمكن كلا منا أن يسأل نفسه: هل أنا مهذب لم أستوف غير شرط أو شرطين من هذه الأربعة؟
ولكن ربما يتساءل بعضنا: لماذا هذه الشروط الأربعة ولماذا لا تكون عشرة أو سبعة؟ فالجواب أن الدكتور ولسون قد اختار الأهم قبل المهم، واختار الأساس قبل الجدار، والأعم قبل الأخص، ونستطيع أن نبين أهمية هذه الشروط بالشرح القليل؛ فإن الذي يطلبه الرئيس ولسن أن تثمر هذه الثقافة التي يحددها في هذه الشروط رجلا صالحا في العالم بارا بالإنسانية، وهو يبرزها في ذهن نير، ثم يجب أن يفهم مبادئ الحضارة الحديثة، ولا يعارض تقدمها، بل عليه أن يكون عضوا عاملا في تقدمها.
فالشرط الأول:
أن يعرف الرجل المهذب تاريخ العالم، كيف نشأت الحياة الأولى على الأرض، ثم تطورت رويدا رويدا حتى ظهرت فيها أنواع من النبات والحيوان ينقرض بعضها ويبقى بعضها، وهي في خلال هذا التطور تنهض وتنتكس، إلى أن ظهر الإنسان (وهو مع ذلك ليس ختام الدراسة إذ هو جسر تعبر عليه الحياة كي تصل إلى طراز أعلى منه)، ثم كيف تسلط على غيره، إلى أن استطاع أن يخترع الحضارة الأولى على ضفتي هذا النهر المبارك، نهر النيل.
ثم كيف نشأت الحضارة، وتطورت، وهي تعاني مظالم الكهنة والمستبدين ورزء الحروب وبلايا القحط والوباء، وفي خلال ذلك يكتشف هذا الإنسان الأول أن له ضميرا وأن حبه لأمه وزوجته وأولاده يتسع حتى يصير حبا للبشر جميعهم.
وجدير بهذا الذي يدرس تاريخ العالم أن يحس أنه ابن العالم وأن البشر إخوة، وأن الحرب جناية، ثم هذا العرض لتاريخ الدنيا يكسبنا فكرة التطور، ثم مزاج التطور؛ لأن الدنيا لم تكن قط على حال واحدة؛ إذ هي تتغير، ويجب أن تبقى في هذا التغير، ثم هذا التاريخ إذ بعث في نفوسنا الاطمئنان من ناحية البر والخير في نفس الإنسان؛ فإنه يبعث الشك والتوجس من ناحية النظم الاجتماعية التي انتهت مرة بل مرات بالعصور المظلمة، وما أدرانا فلعلنا هذه الأيام على وشك الدخول في عصر مظلم، فلا أقل من أن نعرف علاماته، ونحتاط بدرس تاريخ العالم، ونميز بين سيادة العقيدة الحزبية وسيادة الرأي الجدلي، أو الفرق بين المعرفة التي تقوم على البينة وبين العقيدة التي تقوم على التسليم، ثم هذا الدرس لتاريخ العالم يعين لنا سمات الحضارات المتعاقبة وألوان الجودة والرقي فيها إلى أن تنتهي إلى الحضارة الصناعية القائمة.
والشرط الثاني:
للرجل المهذب أن يعرف تاريخ الأفكار السائدة سواء أكانت سياسية أو علمية، فنحن في عصرنا الحاضر نسير بقوة آراء تسوقنا وترسم لنا خططا وغايات، فيجب أن نعرف تاريخ هذه الآراء، والجهود التي بذلت في سبيل تحقيقها، والقوات الخفية التي تسوقها.
Shafi da ba'a sani ba