وهذا لا يمنع أن يكون النظر حاسة أسمى من اللمس، وبالنتيجة أن موضوع النظر هو أسمى أيضا. ولكن النظر ليس عرضا للجسم الملموس بما هو ملموس، بل هو يرجع إلى شيء مغاير تماما يمكن مع ذلك أن يكون متقدما عليه بطبعه.
2
حينئذ بالنسبة للملموسات أنفسها يلزم الفحص والتمييز بين الفصول الأولى لها ومقابلاتها الأولى بالأضداد. المقابلات والمضادات التي يبينها لنا اللمس هي الآتية: البارد والحار، اليابس والرطب، الثقيل والخفيف، الصلب واللين، الدبق والفريك، الأملس والخشن، الكثيف والمتخلخل. من بين هذه الأضداد الثقيل والخفيف ليسا لا فاعلين ولا منفعلين؛ لأنه ليس لأنهما يفعلان أحدهما في الآخر أو لأنهما ينفعلان أحدهما من الآخر أعطيا الاسم الذي يحملانه. ومع ذلك يلزم أن العناصر يمكن أن تفعل وتنفعل بعضها من بعض على طريق التكافؤ ما دام أنها تختلط وتتغير على طريق التكافؤ بعضها إلى بعض.
3
ولكن الحار والبارد واليابس والرطب هي مسماة كذلك أولاهما لأنها تفعل والأخرى لأنها تنفعل؛ فإن الحار هو الذي يجمع ما بين الجواهر المتجانسة؛ لأن التفريق الذي يقال عن النار إنها تفعله إنما هو في حقيقة الأمر تركيب الأشياء التي من نوع واحد ما دام أن الذي يحصل إذن هو أن النار تخرج الجواهر الغريبة وتنفيها. والبرد على ضد ذلك يجمع ويركب على السواء الأشياء التي من نوع واحد، والتي ليست من نوع واحد، ويسمى سائلا ما ليس محدودا في صورته الخاصة، ولكنه يمكن مع ذلك أن يقبل بسهولة صورة. واليابس على ضد ذلك هو ما كان بما له من صورة محددة تماما في حدودها الخاصة لا يقبل صورة جديدة إلا بعناء.
4
من هذه الفصول الأول إنما يأتي المتخلخل والكثيف والدبق والفريك والصلب واللين والفصول الأخرى المشابهة؛ إذن فإن جسما له خاصة إمكان أن يملأ الأين بسهولة يتصل بالسائل؛ لأنه غير محدد هو نفسه، وإنه يخضع من غير أدنى عناء إلى فعل الشيء الذي يلمسه تاركا ذاته تأخذ صورة ذلك الشيء. كذلك المتخلخل يمكنه أن يملأ الأين على سواء؛ لأنه لما لم يكن له إلا أجزاء خفيفة وصغيرة كان يجيد الملء ويلامس تماما، وهذه الخاصة تميز على الخصوص الجسم المتخلخل. حينئذ بالبديهة المتخلخل يقارب السائل في حين أن الكثيف يقارب اليابس، ومن جهة أخرى الدبق يتعلق أيضا بالسائل؛ لأن الدبق ليس إلا نوعا من السائل مع بعض كيفيات كالزيت. ولكن الفريك يتعلق باليابس لأن الفريك إنما هو النام اليبس. ويمكن القول بأنه لم يتجمد إلا لخلوه من كل سائل. ويمكن أن يقال أيضا إن اللين جزء من السائل لأن اللين هو ما يطاوع عند التوائه على نفسه ودون أن ينتقل، كما أن السائل يفعل هذا الفعل بالضبط أيضا. تلك هي العلة في أن السائل لم يسم لينا في حين أن اللين يتعلق بصنف السائل، وأخيرا فالصلب يتعلق باليابس؛ لأن الصلب هو شيء من المتجمد والمتجمد يابس.
5
على أن يابسا وسائلا لفظان يحملان على معان شتى؛ فإن السائل والمبتل يمكن أن يعتبرا كمقابلين لليابس، كما أن اليابس والمتجمد هما مقابلان للسائل، وكل هذه الخواص المختلفة تتعلق بالسائل واليابس محمولين على المعنى الأولي لهاتين الكلمتين؛ لأنه من حيث إن اليابس هو مقابل للمبتل وإن المبتل هو ما كان به على سطحه سائل غريب، في حين أن المتنقع هو ما به السائل إلى باطنه. ولما أن اليابس هو على ضد ذلك ما كان خلوا من كل سائل غريب، فبين بذاته أن المبتل يتصل بالسائل في حين أن اليابس المقابل له يتصل باليابس الأولي.
6
Shafi da ba'a sani ba