5
وأما أمبيدقل، فينبغي أن يقول قول لوكيبس تقريبا؛ لأنه يقول بأنه يجب أن يوجد جزئيات جامدة وغير قابلة للتجزئة إذا كانت المسام ليست متصلة مطلقا. ولما أن هذا الاتصال للمسام محال؛ لأنه حينئذ لا يمكن وجود شيء جامد، إلا أن يكون هو المسام، والكل بلا استثناء لا يكون إلا بعد خلوا، فحينئذ يلزم على رأي أمبيدقل أن الجزيئات التي تتماس تكون غير قابلة للتجزئة، وأن المسافات وحدها التي تفصلها تكون خلوات، وهذا هو ما يسميه المسام، وهذه الآراء هي أيضا آراء لوكيبس في الفعل والانفعال في الأشياء.
6
تلك هي الإيضاحات التي أعطوها عن الوجه الذي تكون به الأشياء تارة فاعلة وتارة منفعلة، وحينئذ يرى مبلغ ما عليه في الحقيقة هؤلاء الفلاسفة، وكيف يعبرون آراءهم في هذا الصدد مؤيدين مذاهب تكاد تكون مطابقة للحوادث.
7
ولكن في نظريات فلاسفة آخرين كأمبيدقل يلمح - بجلاء أقل - كيف يدرك كون الأشياء وفسادها واستحالتها، والطريقة التي بها تقع هذه الظواهر. فعلى رأي البعض أن العناصر الأولية للأجسام هي غير قابلة للتجزئة، ولا تختلف بينها إلا بالصور، ومن هذه العناصر تتركب الأجسام في البداية وإليها تتحلل في النهاية.
ولكن من جهة أمبيدقل فقد يرى على كفاية الوضوح أنه يبلغ بكون الأشياء وفسادها إلى العناصر أنفسها. على أنه كيف يمكن أن يكون وأن يفسد العظم الملتك لهذه العناصر؟ هذا هو ما ليس بينا ألبتة في مذهبه، بل زيادة على ذلك إن هذا ما لا يستطيع تبيانه ما دام أنه ينكر أن النار ذاتها عنصر كما ينكر أيضا على السواء وجود جميع العناصر الأخرى. وقد أيد أفلاطون النظرية عينها في طيماوس؛ لأنه فضلا عن أن أفلاطون يعبر في هذه النقطة مثل لوكيبس فإن أحدهما يقبل أن التي لا تتجزأ هي جوامد والآخر أنها ليست إلا سطوحا، وإن أحدهما يقرر أن جميع الجوامد التي لا تتجزأ هي محدودة بأشكال عددها غير متناه والآخر أن لها أشكالا متناهية ومضبوطة. والنقطة الواحدة التي فيها يتفق الاثنان جميعا أنهما يقبلان وجود التي لا تتجزأ وتحديدها بأشكال.
8
إذا كان حقا أن من ذلك في الواقع تأتي أكوان الأشياء وفساداتها؛ فمن ثم يوجد عند لوكيبس لإدراكها طريقتان: الخلو والتماس، وعلى هذا النحو - على رأيه - إن كل شيء قد يكون متميزا ومنقسما. ولكن عند أفلاطون الأمر على الضد ليس إلا التماس وحده ما دام أنه يرفض وجود الخلو. وقد تكلمنا في بحوثنا السابقة على مذهب السطوح التي لا تتجزأ، وأما الجوامد التي لا تتجزأ فليس ها هنا محل لفحص أطول من ذلك عن نتائج هذه النظرية التي ندعها الآن إلى جانب.
9
Shafi da ba'a sani ba