من البين أن ميليسوس مع تسليمه هكذا بالوحدة يرى أن كل جزء من الأجزاء هو نفسه جسم لا يمكن أن يكون لامتناهيا؛ لأن «الكل» هو وحده لامتناه، وبالنتيجة أن هذه الأجزاء التي ليست مخلوقة أيضا يصلح بعضها حدودا لبعض على التكافؤ.
31
ولكن إذا كان «الكل» أزليا ولامتناهيا، فكيف يمكن أن يكون «واحدا» مع كونه جسما؟ ثم إذا كان مركبا من أجزاء متغايرة فإذن يعترف ميليسوس نفسه بأن «الكل» هو كثير ومتعدد. ومع التسليم بأنه من الماء أو من الأرض أو من أي عنصر آخر، فحينئذ يكون للموجود عدة أجزاء، كما أن زينون يحاول أيضا أن يثبت أن «الكل» يجب أن يكون له أجزاء كثيرة إذا كان هو واحدا على الوجه الذي يدعون.
32
ومتى كانت أجزاؤه متعددة لزم أن يكون بعضها أصغر وبعضها أكبر؛ أعني مختلفة جد الاختلاف حتى بدون أن يأتي التخالف من زيادة جسم ما أو فقد جسم ما. ولكن إذا كان «الكل» ليس له جسم ولا طول ولا عرض، فكيف يكون لامتناهيا؟ وما المانع إذن أن يكون بمجموعه كثرة وواحدا بالعدد؟ بل ما المانع أن الأشياء مع كونها هكذا متكثرة وأكثر من واحد أن تكون على عظم غير متناه؟
33
قد يزعم إكسينوفان أن عمق الأرض وعمق الهواء غير متناه، ولكن أمبيدقل يبطل هذه النظرية؛ إذ يبين في انتقاده المحكم أنه إذا كانت الأشياء كما يزعمون، فمن المحال مطلقا أن تكون ألبتة. «إن أسس الكرة والأثير غير الملموس التي كثر ما يكلموننا عنها ليست إلا كلمات فارغات يكررها لسان الحمقى بلا داع.»
34
لكن العالم يمكن أن يكون واحدا من غير أن يكون هناك سخف في افتراض أنه ليس متشابها في جميع أجزائه. وفي الحق إذا كان العالم كله ماء أو كله نارا أو أي عنصر آخر من هذا القبيل، فيمكن جيدا أن يقال بوجود عدة أشياء، ولو أن الموجود يبقى واحدا، وأنه يلزم دائما أن يكون كل واحد من هذه العناصر مشابها لذاته؛ لأنه لا يمكن أن يكون الجزء الفلاني متخلخلا والآخر كثيفا إلا أن يوجد خلو في باطن المتخلخل. ولكن لا شيء يمنع أنه بالنسبة لبعض الأجزاء يوجد في المتخلخل خلو منفصل تماما بحيث إن جزءا بعينه من «الكل» يكون كثيفا وآخر بعينه يكون متخلخلا، مع أن الكل مع ذلك باق هو ما هو. ولكن لما أن «الكل» مليء؛ فالمتخلخل حينئذ لا يكون أقل امتلاء من الكثيف.
35
Shafi da ba'a sani ba