حافظًا للقرآن العظيم، عارفًا بعلم القراءات، ماهرًا في التفسير. وكان يذكر الناس كل يوم جمعة تارة في أيا صوفيا، وتارة في جامع السلطان محمد خان، وكان حسن الأخلاق، قنوعًا راضيًا بالقليل من العيش، مشتغلًا بإصلاح نفسه، منقطعًا إلى الله تعالى. صنف تفسير سورة الدخان، وكتب حواشي على تفسير القاضي البيضاوي، وحاشية على شرح الوقاية لصدر الشريعة، ولما آن أوان انقضاء مدته ختم التفسير في أيا صوفيا، ثم قال: أيها الناس إني سألت الله تعالى أن يمهلني إلى ختم القرآن العظيم، فلعل الله تعالى يختم لي بالخير والإيمان، ودعا فأمن الناس على دعائه، ثم أتى إلى بيته ومرض. وتوفي بالقسطنطينية في سنة إحدى وتسعمائة - رحمه الله تعالى -.
٣٣ - محمد بن الخطيب: محمد بن إبراهيم، العالم العلامة، المولى محي الدين الشهير بابن الخطيب الرومي الحنفي، وكان من مشاهير موالي الروم. قرأ على والده المولى تاج الدين، وعلى العلامة علي الطوسي والمولى خضر بيك، وتولى المناصب، وترقى حتى جعله السلطان محمد بن عثمان معلمًا لنفسه، ثم ادعى البحث مع المولى خواجه زاده، فقال له السلطان محمد: أنت تقدر على البحث معه. قال: نعم سيما ولي مرتبة عند السلطان، فعزله السلطان لهذا الكلام، ولما تولى السلطان أبو يزيد خان جمعه في ولايته مع المولى علاء الدين العربي في محفل من العلماء، فجرى بينهما مباحثة في الرؤية والكلام. انتهى فيها البحث إلى كلام أنكره عليه السلطان، ففطن ابن الخطيب لذلك، وصنف رسالة في البحث المذكور، وذكر في خطبتها اسم السلطان، وأرسلها إليه على يد وزيره إبراهيم باشا، فلما عرضها على السلطان، فقال السلطان: ما اكتفى بذلك الكلام الباطل باللسان حتى كتبه في الأوراق. اضرب برسالته وجهه، وقل له: يخرج البتة من مملكتي، فتحير الوزير، وكتم غضب السلطان عن ابن الخطيب، وانتظر ابن الخطيب جائزة الرسالة، وتألم من تأخرها، وقال للوزير: أستأذن السلطان أن أذهب من مملكته وأجاور بمكة وأدى أمره إلى الاختلال عند السلطان، وتحير الوزير، ثم أرسل إلى ابن الخطيب من ماله باسم السلطان عشرة آلاف درهم، وناسى السلطان القضية، ثم أن المولى جلال الدين الدواني رحمه الله تعالى أرسل كتابًا إلى بعض أصدقائه إلى الروم، وهو المفتي يومئذ وكتب في حاشيته: السلام على المولى ابن الخطيب، وعلى المولى خواجه زاده، فسمع ابن الخطيب بذلك، فطلب الكتاب وأرسله إلى الوزير وقال له: إنه يعتقد فضل خواجه زاده علي، وأنا مفضل عليه ببلاد الروم. يدل عليه كتاب المولى جلال الدين حيث قدمني عليه ذكرًا، فلما وصل الكتاب إلى الوزير قال: إنه سؤال دوزي، والتقديم في
1 / 23