وأما الثاني فقد ذكره في منتخب الإحياء «1»: اعلم أن علم الطب في تصحيح الأبدان من فروض الكفاية، لكن في السراجية «2». يستحب أن يتعلم الرجل من الطب قدر ما يمتنع به عما يضر بدنه.
وكذا من فروض الكفاية علم الحساب في الوصايا والمواريث. وكذا الفلاحة والحياكة والحجامة والسياسة. أما التعمق في الطب فليس بواجب وان كان فيه زيادة قوة على قدر الكفاية.
فهذه العلوم كالفروع فإن الأصل هو العلم بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإجماع الأمة وآثار الصحابة، والتعلم بعلم اللغة التي هي آلة لتحصيل العلم بالشرعيات. وكذا العلم بالناسخ والمنسوخ والعام والخاص، مما في علم الفقه، وعلم القراءة ومخارج الحروف، والعلم بالأخبار وتفاصيلها، والآثار وأسامي رجالها ورواتها، ومعرفة المسند والمرسل والقوي والضعيف منها، كلها من فروض الكفاية. وكذا معرفة الأحكام لقطع الخصومات وسياسة الولاة. وهذه العلوم إنما تتعلق بالآخرة لأنها سبب استقامة الدنيا، وفي استقامتها استقامتها، فكان هذا علم الدنيا بواسطة صلاح الدنيا، بخلاف علم الأصول من التوحيد وصفات الباري. وهكذا علم الفتوى من فروض الكفاية. أما العلم بالعبادات والطاعات ومعرفة الحلال والحرام فإنه أصل فوق العلم بالغرامات والحدود والحيل.
وأما علم المعاملة فهو على المؤمن المتقي كالزهد والتقوى والرضاء والشكر والخوف والمنة لله في جميع أحواله، والإحسان وحسن النظم وحسن الخلق والإخلاص، فهذه علوم نافعة أيضا. وأما علم المكاشفة فلا يحصل بالتعليم والتعلم، وإنما يحصل بالمجاهدة التي جعلها الله تعالى مقدمة للهداية، قال الله تعالى: والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا «3». وأما علم الكلام فالسلف لم يشتغلوا به حتى إن من اشتغل به نسب إلى البدعة والاشتغال بما لا يغنيه «4»، هذا كله خلاصة ما في التاتارخانية «5».
وقال في خزانة الرواية في السراجية: تعلم الكلام والمناظرة فيه قدر ما يحتاج إليه غير منهي [عنه] «6». قال شيخ الشيوخ شهاب الدين السهروردي «7» في أعلام الهدى «8» بأن عدم الاشتغال بعلم
Shafi 66