اعتبار الدوائر، ويسمى ذلك هيئة غير مجسمة. ومن أراد تصور مبادئ تلك الحركات على الوجه المطابق لقواعد الحكمة فعليه تصور الكرات على وجه تظهر حركات مراكز الكواكب وما يجزي مجراها في مناطقها، ويسمى ذلك هيئة مجسمة؛ وإطلاق العلم على المجسمة مجاز. ولهذا قال صاحب التذكرة: إنها ليست بعلم تام لأن العلم هو التصديق بالمسائل على وجه البرهان، فإذا لم يورد بالبرهان يكون حكاية للمسائل المثبتة بالبرهان في موضع آخر. هذا كله خلاصة ما ذكره عبد العلي البرجندي في حواشي شرح الملخص «1».
فائدة
المذكور في علم الهيئة ليس مبنيا على المقدمات الطبيعية والإلهية وما جرت به العادة من تصدير المصنفين كتبهم بها، إنما هو بطريق المتابعة للفلاسفة وليس ذلك أمرا واجبا، بل يمكن إثباته من غير ملاحظة الابتناء عليها، فإن المذكور فيه بعضه مقدمات «2» هندسية لا يتطرق إليها شبهة، مثلا مشاهدة التشكلات البدرية والهلالية على الوجه المرصود توجب اليقين بأن نور القمر مستفاد من نور الشمس، وبعضه مقدمات يحكم بها العقل بحسب الأخذ لما هو الأليق والأحرى كما يقولون إن محدب الحامل يماس محدب الممثل على نقطة مشتركة، وكذا مقعره بمقعره، ولا مستند لهم، غير أن الأولى أن لا يكون في الفلكيات فصل لا يحتاج إليه، وكذا الحال في أعداد الأفلاك من أنها تسعة، وبعضه مقدمات يذكرونها على سبيل التردد دون الجزم، كما يقولون إن اختلاف حركة الشمس بالسرعة والبطوء إما بناء على أصل الخارج أو على أصل التدوير من غير جزم بأحدهما، فظهر أن ما قيل من أن إثبات مسائل هذا الفن مبني على أصول فاسدة مأخوذة من الفلاسفة من نفي القادر المختار وعدم تجويز الخرق والالتئام على الأفلاك وغير ذلك ليس بشيء، ومنشئوه عدم الاطلاع على مسائل هذا الفن ودلائله، وذلك لأن مشاهدة التشكلات البدرية والهلالية على الوجه المرصود توجب اليقين بأن نور القمر حاصل من نور الشمس، وأن الخسوف إنما هو بسبب حيلولة الأرض بين النيرين، والكسوف إنما هو بسبب حيلولة القمر بين الشمس والبصر، مع القول بثبوت القادر المختار ونفي تلك الأصول المذكورة؛ فإن ثبوت «3» القادر المختار وانتفاء تلك الأصول لا ينفيان أن يكون الحال ما ذكر. غاية الأمر أنهما يجوزان الاحتمالات الأخر، مثلا على تقدير ثبوت القادر المختار يجوز أن يسود القادر بحسب إرادته وينور وجه القمر على ما يشاهد من التشكلات البدرية والهلالية.
وأيضا يجوز على تقدير الاختلاف في حركات الفلكيات وسائر أحوالها أن يكون أحد نصفي كل من النيرين مضيئا والآخر مظلما، ويتحرك النيران على مركزيهما بحيث يصير وجهاهما المظلمان مواجهين لنا في حالتي الخسوف والكسوف، إما بالعام إذا كانا تامين أو بالبعض إن كانا ناقصين.
وعلى هذا القياس حال التشكلات البدرية والهلالية، لكنا نجزم مع قيام الاحتمالات المذكورة أن
Shafi 62