العلم الرياضي
هو علم بأحوال ما يفتقر في الوجود الخارجي دون التعقل إلى المادة كالتربيع والتثليث والتدوير والكروية والمخروطية والعدد وخواصه، فإنها أمور تفتقر إلى المادة في وجودها لا في حدودها، ويسمى أيضا بالعلم التعليمي وبالعلم الأوسط وبالحكمة الوسطى كما مر. وأصوله أربعة على ما مر أيضا، وذلك لأن موضوعه الكم وهو إما متصل أو منفصل. والمتصل إما متحرك أو ساكن، فالمتحرك هو الهيئة والساكن هو الهندسة. والمنفصل إما أن يكون له نسبة تأليفية أو لا، فالأول هو الموسيقي والثاني هو الحساب. ثم إنه يرد على التعريف أن العدد الذي هو موضوع علم الحساب لا يفتقر إلى المادة في الوجود الخارجي أيضا، فإن المفارقات ذوات أعداد؛ ولذا عد صاحب الإشراق «1» الحساب من الإلهي فإن موضوعه وهو العدد من الأقسام الأولية للموجود ، لأن الموجود بما هو موجود صالح لأن يوصف بوحدة وكثرة من غير أن يصير رياضيا أو طبعيا «2». وأيضا أنه يبحث في الهيئة عن الأفلاك مع أنها محتاجة إلى المادة في كلا الوجودين. وأجيب عن الأول بأنه إذا [كان] «3» يبحث عن العدد من حيث هو في أذهان الناس وفي الموجودات المادية فهو علم العدد وإلا فلا. وفيه أن العدد المأخوذ بهذه الحيثية لا ينفك في كلا الوجودين من المادة. ودفعه بأن يراد بالمادة المادة المخصوصة كالذهب والخشب ونحوهما على ما تدل عليه عبارة الصدري من أن الرياضي علم بأمور مادية بحيث لا تحتاج في فرضها موجودة إلى خصوص مادة واستعداد لا ينفع، وإلا لزم دخول الطبعي «4» في الرياضي، إذ موضوعه الجسم الطبعي وهو لا يفتقر «5» إلى مادة مخصوصة. وأجيب عن الثاني بأن البحث عن الأفلاك في الحقيقة بحث عن الكرة التي لا تحتاج في التعقل إلى مادة مخصوصة وفيه ما مر. ولهذا قال صاحب الصدري: الأجود أن تقسم العلوم إلى ما موضوعه نفس الوجود وإلى ما ليس موضوعه نفس الوجود، فالأول العلم الإلهي، والذي ليس موضوعه نفس الوجود إما أن يشترط في فرض وقوعه صلوح مادة متخصصة الاستعداد أم لا. الاول الطبعي «6» والثاني الرياضي. وهذه طريقة حسنة لا يلزم منها دخول الحساب في الإلهي.
فائدة
قد اختلف قدماء الفلاسفة في ترجيح أحد من الرياضي والطبعي «7» على الآخر في الشرف والفضل، وكل قد مال إلى طرف بحجج مذكورة فيما بينهم. والحق أن الحكم بجزم فضيلة أحدهما على الآخر غير سديد، بل كل واحد أفضل من الآخر من وجه. فالطبعي «8» أفضل من الرياضي من
Shafi 54