الموضوع
: موضوع الحكمة على القولين أي القول بأن المنطق منها والقول بأنه ليس منها، فليس شيئا واحدا هو الموجود مطلقا أو الموجود الخارجي، بل موضوعها أشياء متعددة متشاركة في أمر عرضي هو الوجود المطلق أو الخارجي، وإلا لم يجز أن يبحث في الحكمة عن الأحوال المختصة بأنواع الموجود إذ البحث عن العارض لأمر أخص الذي هو من الأعراض الغريبة غير جائز. فإذا لم يكن موضوعها شيئا واحدا فالأحسن أن تقيد الأحوال المشتركة فيها بقيود مخصصة لها بواحد واحد من تلك الأشياء لئلا تكون تلك الأحوال من الأعراض العامة الغريبة، كتقييد الوجود الذي يحمل على الواجب بكونه مبدأ لغيره ليكون مختصا بالواجب وهكذا. والغرض من الفلسفة الوقوف على حقائق الأشياء كلها على قدر ما يمكن للإنسان أن يقف عليه ويعمل بمقتضاه ليفوز بسعادة الدارين.
الأعيان الموجودة إما الأفعال والأعمال ووجودها بقدرتنا واختيارنا، أو لا. فالعلم بأحوال الأول من حيث إنه يؤدي إلى صلاح المعاش والمعاد يسمى حكمة عملية لأن غايتها ابتداء الأعمال التي لقدرتنا مدخل فيها، فنسبت إلى الغاية الابتدائية. والعلم بأحوال الثاني يسمى حكمة نظرية.
وذكر الحركة والسكون والمكان في الحكمة الطبعية «1» بناء على كونها من أحوال الجسم الطبعي «2» الذي ليس وجوده بقدرتنا، وإن كانت تلك مقدورة لنا. وإنما سميت حكمة نظرية لأن غايتها الابتدائية ما حصل بالنظر وهو الإدراكات التصورية والتصديقية المتعلقة بالأمور التي لا مدخل لقدرتنا واختيارنا فيه. ولا يرد أن
الحكمة العملية
أيضا منسوبة إلى النظر لأن النظر ليس غايتها، ولأن وجه التسمية لا يلزم اطراده. وإنما قيدت الأحوال بالحيثية المذكورة لأنهم كما لا يعدون من الكمال المعتد به النظر في الجزئيات المتغيرة من حيث خصوصها، كذلك لا يعدون من الكمال النظر في الأعمال لا من هذه الحيثية.
قيل إن أريد بالأحوال ما لا يوجد إلا بقدرتنا واختيارنا، فيخرج عن الحكمة العملية بعض الأخلاق كالشجاعة والسخاوة الذاتيتين، وإن أريد بها ما يوجد بقدرتنا واختيارنا في الجملة فيدخل فيها بعض مباحث الحكمة النظرية كالأصوات والنغمات.
ويجاب باختيار الشق الأول: ولا بأس بخروج الأخلاق الذاتية لأنها ليست من تهذيب الأخلاق.
وعدم دخولها في السياسة المدنية وتدبير المنزل ظاهر، وباختيار الشق الثاني وارتكاب كون الأصوات من الحكمة العملية. لا يقال الأعيان قد تكون ذواتا وهي خارجة من التقسيم، لأنا نقول هي داخلة في القسم الثاني أي قولنا أو لا.
ثم الحكمة العملية ثلاثة أقسام، لأنها إما علم بمصالح شخص بانفراده ويسمى تهذيب الأخلاق، وعلم الأخلاق والحكمة الخلقية. وفائدتها تهذيب الأخلاق، أي تنقيح الطبائع بأن تعلم الفضائل وكيفية اقتنائها لتزكى بها النفس، وأن تعلم الرذائل وكيفية توقيها لتطهر عنها النفس. وإما علم بمصالح جماعة متشاركة في المنزل كالولد والوالد والمالك والمملوك ونحو ذلك ويسمى تدبير
Shafi 50