[ حتى نطق صامتها بالإقرار بربوبيته بغير مذود وبرز مجادلا على ذلك لكل من عطل وألحد ]، ولما كانت هذه الجملة متصلة بما قبلها اتصال الغاية بالمغيا أتى فيها بحتى المؤذنة بذلك المعنى، وقد شبه دلالة المصنوعات الغريبة والمخلوقات العجيبة على الله تعالى بالنطق، ثم اشتق منه نطق فهي استعارة مصرحة تبعية أو شبه الغرائب والعجائب بناطق، ثم حذف المشبه به وهو الناطق، وأتى بما هو من لازمه وهو النطق، فهي استعارة مكنية وتسمى مكنيا عنها، وإثبات نطق يسمى استعارة تخييلية تبعية أيضا لأنها في الفعل، ثم في إيقاع النطق على الصامت من البلاغة وحسن الكلام مالا يخفى، إذ لا أبلغ وأبدع من نطق الجمادات، ثم في كون هذا النطق من الصامتات بالإقرار على نفسها، بأن الله تعالى هو ربها وخالقها ومقدرها مالا مزيد عليه في البلاغة، إذ لا أبلغ في ثبوت الحق من الإقرار به على النفس قال الله تعالى: {بل الإنسان على نفسه بصيرة} [القيامة:14]، وقوله: بغير مذود: أي بغير لسان، والمذود: اللسان قال حسان بن ثابت رحمه الله:
ويبلغ مالا يبلغ السيف مذود: أي يبلغ لسانه في الأعداء ما لا يبلغه السيف، وقوله: وبرز مجادلا على ذلك لكل من عطل وألحد، هو كالكلام الذي قبله في بلاغته وحسن بداعته، فإنه شبه الغرائب والعجائب بعالم يحاجج عن الله تعالى بالأدلة والبراهين على ربوبيته، ثم حذف المشبه به وهو العالم المحاجج، وأتى بما يلائمه وهو البروز للجدال والمحاججة، فهي استعارة مكنية تبعية، وقوله: مجادلا فيه استعارة تخييلية لأنها في الاسم، ثم في كون الجدال إنما هو لكل معطل وكل ملحد من حسن الكلام ولطافته مالا يخفى، لأنه لا ينبغي أن يناظر ويحاجج ويجادل بالأدلة وإقامة البراهين إلا المنكر والمعطل والملحد دون المقر والموحد، فقد نظر لنفسه ومهد لرمسه فمجادلته شقاق، ومحاججته من سيما ذوي النفاق.
Shafi 25