بسم الله الرحمن الرحيم كشف الرموز يقول (1) العبد الضعيف، الراجي عفو ربه، الحسن بن أبي طالب اليوسفي الآبي.
حمدا " لمنعم لا يحمد إلا بنعمته، وصلاة على سيد لا نرحم إلا بصلته، وتمسكا " بشريف لا يقبل الطاعة إلا بمحبته، ومحبة عترته الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا " (2).
وبعد فلما وفقني ربي - عظمت نعمته - إرشاد المصالح، وألهمني معرفة الصالح والطالح، نظرت بعين صافية محفوظة من العنادية، تحصيلا للنجاة الأبدية، وزلفى إلى الحضرة القدسية، رأيتها مقرونة بحبال المعارف العلمية، موصولة إلى الوظائف العملية، مشدودة بضبط العلماء الذين هم ورثة الأنبياء فتعين الجثوم (الجثو خ) (3) على ركبة التحصيل بين يديهم، والقصد إلى سواء السبيل إليهم.
فاتفق - بالطالع المسعود والرأي المحمود - توجهي إلى الحلة السيفية - حماها الله من
Shafi 37
النوائب، وجنبها من الشوائب - فقرأت عند الوصول (1) بلدة طيبة ورب غفور (2).
فكم بها من أعيان العلماء بهم التقيت، والمعارف الفقهاء، بأيهم اقتديت اهتديت، وكان صدر جريدتها، وبيت قصيدتها - جمال كمالها وكمال جمالها - الشيخ الفاضل (العالم خ) الكامل عين أعيان العلماء، ورأس رؤساء الفضلاء، نجم الدين حجة الإسلام (والمسلمين) أبا القاسم جعفر بن الحسن بن سعيد عظم الله قدره وطول عمره.
فاستسعدت (فاستعدت خ) ببهاء طلعته، واستفدت من جنى ثمرته في كل فصل من كل فن، وصرفت أكثر همى وسابق فهمي إلى العلوم الدينية الفقهية والكلامية، إذ لا تدرك إلا بكمال العقل، وصفاء الذهن وعليها مدار الدين، وتحقيق اليقين.
يشهد بذلك الكلام النبوي صلى الله عليه وآله (صلوات الله على قائله خ) لكل شئ عماد وعماد هذا الدين الفقه (التفقه خ) (3) وهو الرتبة العالية والدرجة السامية ما بذلت لكل راغب، ولا سهلت لكل طالب، بل خص الله بها قوما " ومنع (منعها خ) آخرين، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم (4).
فلما فرغت من بحث كتابة الشرايع ومنتخبه النافع في الشرايع عنيت قرير ناظر العين، قرين ناظر العيش مستريحا " من مناقشة المتعلمين، ومنافثة المعلمين، وخلعت العذار (5) على العود، ورفضت مرحا (ورقعت مدحا خ) للسير، لينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون (6).
Shafi 38
فالتمس مني بعض إخواني في الدين، ورفقائي في طلب اليقين، حسن الظن بي - والظن يخطئ ويصيب - أن اكشف قناع الإشكال عن رموزات كتاب النافع، أعني كتاب مختصر الشرايع، إذ هي إشارة إما إلى أقوال الأصحاب، وفتاويهم وأخبارهم وأحاديثهم، وإما إلى مدلول الأصول المسلمة والاطلاقات المشهورة، ويصعب على المبتدي، بل على المنتهي حفظها، ويشكل ضبطها احتياطا لها إلى مطالعة الكتب وممارستها، وتكرار الأنظار ومداومتها.
فوجدت طاعته راحة، وإجابته طاعة، فقمت به، مستعينا " بمسبب الأسباب، ومسهل الصعاب، وشرطت أن لا أجاوز من (عن خ) شرح الرمز إلى حل اللفظ، إلا في الندرة، مع ماس الحاجة، وأن لا أخل بإيضاح الرموز، إلا ما زاغ البصر، واستغنى منه، والله ولي التوفيق.
وهنا مقدمات ثلاث (ثلاثة خ) (الأولى) قد قرر المصنف أدام الله ظله أن كل ما في كتابه من قوله: (الأشهر) يعني به من الروايات المختلفة (والأظهر) (1) في فتاوى الأصحاب، (والأشبه) ما تدل عليه أصول المذهب، من العمومات والاطلاقات، أو دلالة عقل، أو تمسك بالأصل، وفي معناه، (الأنسب والأصح) من الأقوال مما لا يحتمل عند المصنف، ويستعمل (الأحوط) بمعنى المندوب والأولوية.
(المقدمة الثانية) وقد أودعت - في هذا الكتاب مما استدللت به - الروايات المستعملة غير الشاذة والنادرة (2) واجتهدت في إيراد الأصح منها فالأصح، اللهم إلا استعملها المشايخ في فتاويهم، فأوردتها، والنظر إلى علمهم لا إليها، واقتصرت في الاستدلالات على ألفاظ محورة (محررة خ) وعبارة مقتصرة (مقتصرة خ) غير مخلة
Shafi 39
(غير مطنبة خ) حذار الإضجار ومخافة الإملال.
(المقدمة الثالثة) قد اقتصرت في ذكر أقوال الأصحاب على المشايخ الأعيان الذين هم قدوة الإمامية ورؤساء الشيعة، الشيخ جليل أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي، والشيخ المفيد، والمرتضى علم الهدى، والفقيه علي بن بابويه، وابنه أبو جعفر محمد بن علي، والحسن بن أبي عقيل العماني، وأبو الصلاح علي بن تقي الحلبي، وأبو يعلى سلار، ومحمد بن إدريس الحلي.
وأخللت بذكر متابعي الشيخ، إذ به غنية عنهم، وربما أفرد بذكر القاضي عبد العزيز بن البراج، والشيخ السعيد قطب الدين الراوندي صاحب المغني والرايع (1) والشيخ العميد عماد الدين الطوسي صاحب الواسطة والوسيلة، تغمدهم الله برحمته، وحشرهم مع النبي صلى الله عليه وآله وعترته عليهم الصلاة والسلام.
وأخللت بذكر ابن الجنيد (2) إلا نادرا "، لما ذكر الشيخ أبو جعفر أنه كان يقول بالقياس، فتركت تصانيفه.
وقد أعبر عن المصنف ب (شيخنا) دام ظله، وعن أبي جعفر الطوسي ب (الشيخ) وعنه وعن المفيد ب (الشيخين) وعنهما مع المرتضى ب (الثلاثة) وعن محمد بن إدريس الحلي ب (المتأخر) إذ رجح على متأخري زمانه لحسن (بحسن خ) النظر وتدقيقه في أصل الفقه وتفريعه (تعريفه خ) ولعمري لقد نبه على مواضع، ولكن أخفاء بجفائه
Shafi 40
على الشيخ، والإقدام (الاقدار خ) على منع العقل، والله أعلم بعواقب الأمور وصوابها.
وسميت (وسمت خ) الكتاب بكشف الرموز، متضرعا " إلى الله تعالى أن يكون اسما " (اسمه خ) موافقا " لمسماه، وأن يجعلنا ممن أقام بمدعاه (1) وهذا حين الشروع، وبالله التوفيق.
Shafi 41
خطبة المصنف بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي صغرت في عظمته عبادة العابدين، وحصرت عن شكر نعمته ألسنة الحامدين، وقصرت عن وصف كماله أفكار العالمين، وحسرت (1) عن إدراك جلاله أبصار العالمين، " ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الذين " وصلى الله على أكرم المرسلين، وسيد الأولين والآخرين، محمد خاتم النبيين، وعلى عترته الطاهرين، وذريته الأكرمين، صلاة تقصم (2) ظهور الملحدين، وترغم نوف الجاحدين.
أما بعد: فإني مورد لك في هذا المختصر خلاصة المذهب المعتبر، بألفاظ محبرة (3) وعبارات محررة، تظفرك بنخبه (4)، وتوصلك إلى شعبه، مقتصرا " على ما بان لي سبيله، ووضح لي دليله، فإن أحللت فطنتك في مغانيه، وأجلت (5) رويتك في معانيه، كنت حقيقا " أن تفوز بالطلب، وتعد في حاملي المذهب وأنا أسأل الله لي ولك الإمداد بالإسعاد (6)، والإرشاد إلى المراد، والتوفيق للسداد، والعصمة من الخلل في الإيراد، إنه أعظم من أفاد، وأكرم من سئل فجاد.
Shafi 42
كتاب الطهارة
Shafi 43
كتاب الطهارة وأركانها أربعة:
الركن الأول: في المياه
Shafi 44
والنظر في المطلق والمضاف والأسئار.
أما المطلق: فهو في الأصل طاهر ومطهر، يرفع الحدث ويزيل الخبث.
وكله ينجس باستيلاء النجاسة على أحد أوصافه، ولا ينجس الجاري منه بالملاقاة، ولا الكثير من الراكد، وحكم ماء الحمام حكمه إذا كان له مادة، وكذا ماء الغيث حال نزوله.
وينجس القليل من الراكد بالملاقاة على الأصح.
____________________
قلت: قدم هذا الركن على الثاني، لأن الثاني محتاج، وهو محتاج إليه والمحتاج إليه مقدم على المحتاج، أما تقديم الثاني على الثالث، والثالث على الرابع، فسنذكره إن شاء الله.
" قال دام ظله ": والنظر في المطلق والمضاف والأسئار.
هذه الجملة مركبة من المبتدأ والخبر، والمعنى أن البحث في المياه بحث في المطلق والمضاف والأسئار من حيث أنها مشتملة على الثلاثة، ونعني بالمطلق ما لا يصح سلب لفظ الماء عنه، فلا يقال: الفرات أو الحوض أو البئر، ليس بماء وقوله في الأصل: (ومطهر) تنبيه على أن النجاسة عارضة له، فلا يحكم بنجاسة ماء إلا مع تيقنها (1)، ولا حكم لغلبة الظن، ولكن (فلا تكن كبعض خ) بعض الجهلة يمنعون من استعمال ماء البئر في التطهير، ويشربون منه.
" قال دام ظله ": وكله ينجس باستيلاء النجاسة على أحد أوصافه.
الضمير في كله راجع إلى المطلق، وأكده بالكل، لأن له أصنافا، من جار ونابع وراكد، فنبه بهذا التأكيد على أصنافه، وهو في غاية الإيجاز.
" قال دام ظله ": وينجس القليل من الراكد بالملاقاة على الأصح.
تقديره بملاقات النجاسة لأن أول الكلام من قوله (وينجس) يدل عليه.
Shafi 45
____________________
وقوله على الأصح تنبيه على وجود مخالف فيه، وهو الحسن بن أبي عقيل، فعنده لا ينجس إلا بالتغير، متمسكا بقوله عليه السلام: الماء طهور لا ينجسه شئ إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه (1).
والجواب من وجوه، (الأول) منع الخبر، فإنه ما ذكر أسانيده، (الثاني) وهو أن مع تسليم الخبر أن المراد الماء الكثير أو الجاري (ماء كثير أو جار خ) والمخصص روايات وسنذكر بعضها (الثالث) إن لفظ الماء كما يحتمل القليل، يحتمل أن يكون مخصوصا بالجاري والكثير، فنزله عليهما، ولو حمل على الإطلاق، لعورض بما روى عن النبي صلى الله عليه وآله: إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شئ (2).
ووجه المعارضة، تقييد ارتفاع قبول النجاسة ببلوغ الكر، فلو كان الحكم قبل البلوغ موجودا لم يكن للتقييد فائدة.
وبما رواه أبو العباس الفضل البقباق عن أبي عبد الله عليه السلام في سؤر الكلب، فقال: رجس نجس لا يتوضأ بفضله، واصبب ذلك الماء واغسله بالتراب أول مرة ثم بالماء (3) وبخبر الدجاجة (4) فالترجيح لها، لكثرتها وظهورها بين
Shafi 46
وفي تقدير الكر (الكثرة خ) روايات، أشهرها ألف ومائتا رطل وفسره الشيخان بالعراقي.
____________________
الأصحاب.
" قال دام ظله ": وفي تقدير الكر روايات.
قلت: وبحسب الروايات أقوال، قال ابنا بابويه، ثلاثة أشبار طولا في عرض ثلاثة أشبار في عمق ثلاثة أشبار.
ولعل مستنده (1) رواية إسماعيل بن جابر، عن أبي عبد الله عليه السلام، قلت:
وما الكر؟ قال: ثلاثة أشبار في ثلاثة أشبار (2).
وهي ناقصة عن مدعاهما (3)، بعدم ذكر العمق فيها، إلا أن تدل قرينة، حال السائل أو المسؤول عليه، ولم تعلم.
وروى عثمان بن عيسى، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الكر من الماء، كم يكون قدره؟ قال: إذا كان الماء ثلاثة أشبار ونصف في مثله، ثلاثة أشبار ونصف في عمقه في الأرض فذلك الكر من الماء (4) واختارها الشيخ في النهاية، وعلم الهدى في بعض كتبه، لكن عثمان بن عيسى (واقفي خ) لا يعمل بروايته مع المعارض.
فإذا تقرر هذا، فالأشهر من الروايات، ما رواه محمد بن أبي عمير عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: الكر (من الماء الذي لا ينجسه شئ خ) ألف ومائتا رطل (5).
Shafi 47
وفي نجاسة البئر بالملاقاة قولان، أظهرهما التنجيس.
وينزح - لموت البعير والثور وانصباب الخمر - ماؤها أجمع.
____________________
وهي أظهر في فتوى الأصحاب ذهب إليها الشيخ في الجمل على التخيير بينه وبين الأول والمرتضى في المصباح والمفيد، وسلار، وأبو الصلاح.
وأصح الروايات، (رواية ابن أبي عمير خ) (1).
لا يقال: هي مرسلة، لأنا نقول: الأصحاب إما عاملون عليها (بها خ)، وإما غير رادين لها.
وهل الرطل عراقي؟ قال الشيخان: نعم، وهو أشبه، لأنها تقارب رواية الأشبار، ولأن الأصل الطهارة، حتى تعلم قذارة الماء، وهو بعيد، مع الاحتمال.
وقال علم الهدى: مدني، لأنه عليه السلام كان بالمدينة (في المدينة خ) وكذا ابن بابويه لو قال بالوزن، والقولان محتملان، لكن أكثر الأصحاب على الأول، وادعى الشيخ عليه الإجماع، ورطل العراقي ثلثا المدني، لأنه مائة وثلاثون درهما، والمدني مائة وخمسة وتسعون درهما.
" قال دام ظله ": وفي نجاسة البئر بالملاقاة قولان أظهرهما التنجيس.
تقديره (ماء البئر) (2) بملاقاة النجاسة.
قال الشيخ في النهاية والخلاف والمبسوط، والمرتضى والمفيد ينجس.
وللشيخ قول آخر في التهذيب، بأنه لا يغسل الثوب منه، ولا تعاد الطهارة، ما لم يتغير بالنجاسة، ولكن لا يجوز استعماله إلا بعد النزح وقال في الاستبصار:
استعماله بعد العلم يوجب الإعادة لا قبله.
وضابط الباب، إن فتوى فقهائنا اليوم على نجاسته، إلا شذاذا منهم، وربما قال
Shafi 48
وكذا قال الثلاثة (1) في المسكرات.
وألحق الشيخ الفقاع والمني والدماء الثلاثة، فإن غلب الماء تراوح عليها قوم، اثنين اثنين يوما.
ولموت الحمار والبغل كر، وكذا قال الثلاثة في الفرس والبقرة.
____________________
قائل لا ينجس الماء، بل النزح تعبد وفيه نظر.
ومما يدل على نجاسته، فتوى الفقهاء من زمن النبي صلى الله عليه وآله إلى يومنا هذا بالنزح، فلو لم ينجس لكان اتفاقهم (على إلزام المشاق) (2) من غير فائدة والقول بالتعبد ضعيف.
ويوضحه (يؤيده خ) ما رواه ابن أبي يعفور عن الصادق عليه السلام، قال: إذا أتيت البئر، وأنت جنب فلم تجد دلوا ولا تجد شيئا تغترف به، فتيمم بالصعيد، فإن رب الماء هو رب الصعيد، ولا تقع في البئر، ولا تفسد على القوم ماءهم (3).
ولا يحتج بما رواه محمد بن إسماعيل بن بزيع قال: كتبت إلى رجل يسأل الرضا عليه السلام عن ماء البئر؟ فقال: ماء البئر واسع، لا يفسده شئ (4).
لأنها مشتملة على الكتابة (المكاتبة خ)، مع أنها تضعف عن الدلالة، ومعارضته بروايتنا (5)، وكذا باقي الروايات الواردة بعدم التنجيس ، مطعون فيها.
" قال دام ظله ": وكذا قال الثلاثة في المسكرات.
قلت: نسبة القول إليهم، تدل على انفرادهم به، وعدم حديث به ينهض، ولو احتج - بما روى عطاء ابن يسار عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله
Shafi 49
ولموت الإنسان سبعون دلوا.
وللعذرة عشرة، فإن ذابت فأربعون أو خمسون.
____________________
صلى الله عليه وآله: كل مسكر خمر (1)، وبما رواه علي بن يقطين عن ابن الحسن الماضي عليه السلام كل ما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر (2) - لكان وجها اقناعيا.
وكذا في نسبة الإلحاق إلى الشيخ في الفقاع.
ولو قيل - الفقاع خمر فحكمه حكمه - لكان وجها.
(أما الأول) فلما رواه ابن الحكم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن الفقاع؟ قال: لا تشربه فإنه خمر مجهول (3) وعن الرضا عليه السلام هو حرام، وهو خمر (4).
وأما الثاني فلأنه حكم بنجاسة الماء، فلا بد من النزح، وما وجد شئ يحمل عليه أقرب من الخمر، فحمل عليه.
وذهب محمد بن بابويه في المقنع، إلى أنه ينزح من الخمر عشرون دلوا، وفتوى باقي الأصحاب على الكل، وهو أظهر وأشهر.
وأما المني والدماء الثلاثة، فشئ ذكره الشيخ موجبا نزح الكل منها، وما وقفنا على المستند، وهو أعلم بما قاله.
" قال دام ظله ": ولموت الإنسان سبعون دلوا.
يريد بالإنسان، الصغير والكبير، والمسلم والكافر، لأن الألف واللام للجنس،
Shafi 50
____________________
لا للمعهود اللفظي ولا الذهني، وإلا (1) لصح وقوع الضمير مقامه، لو كان (2) مفسرا بالمسلم.
وقال المتأخر: الإنسان هنا مخصوص بالمسلم، كما في الجنب، في قولهم ينزح منه، إذا ارتمس في البئر سبع دلاء، وأوجب لمس الكافر وموته، نزح الكل.
واستدل على التخصيص، بأنه ورد منكرا، والنكرة لا تفيد العموم، عند المحققين، من أهل الأصول، وبأنه لو حمل على العموم هنا، يلزم حمل الجنب على العموم، ولكن اللازم منفى (3) فالملزوم غير جايز.
واستدل على وجوب نزح الكل بمماسة الكافر وموته، بالإجماع، وقد قوى هذا الإجماع، ذلك التخصيص.
والجواب عن الأول أن المنكر ورد (جاء خ ل) في ألفاظ الأصحاب لا في الحديث (4) فلا يستدل به، ولو سلمنا أنه ورد في خبر منكرا، فلا يفيد التخصيص، بل (يتناول خ) واحدا واحدا من إفراد الإنسان، وذلك لا يضرنا.
وعن الثاني إنا نمنع الملازمة لوجوه.
(الأول) إن مقتضى الأصل العمل بالعموم في الموضعين، لكن من ترك العمل به هنا لا يلزم ترك العمل به في الآخر.
(الثاني) أن نقول: إما أن يكون معنا دليل على تخصيص الجنب، أو لا، فإن كان، فالتخصيص لذلك، فلا يخص في موضع لا دليل وإن لم يكن، يلتزم (يلزم خ) التسوية.
Shafi 51
وفي الدم أقوال، والمروي في دم ذبح الشاة من ثلاثين إلى أربعين، وفي القليل دلاء يسيرة.
ولموت الكلب وشبهه أربعون، وكذا في بول الرجل، والحق الشيخان بالكلب موت الثعلب والأرنب والشاة.
____________________
(الثالث) إن تخصيص الجنب، للقرينة، وهي كون الطهارة (الرافعة للحدث خ) مرادة من المسلم.
وعن الثالث إن الإجماع غير حال على مدعاه، وما أعرف به قائلا سوى الشيخ في المبسوط، على قول، غير جازم به. وحكايته (1) لموت الكافر، بنزح الماء أجمع، لأنه لم يرد به نص، وقد ذكر هو فيما لم يرد به نص، أن ينزح الكل للاحتياط، وإن قلنا بجواز أربعين، كان سائغا، والأول أحوط.
فالشيخ متردد فيه على أن كلام الشيخ لا يصلح للاستدلال، فكيف يدعي الإجماع عليه (به خ).
" قال دام ظله ": وفي الدم أقوال. إلى آخره.
قال المفيد: في المقنعة: وفي قليل الدم خمس، وفي أكثره عشرة، وقال علم الهدى: من دلو إلى عشرين، ولم يفرقا بين الدماء.
وقال ابن بابويه: في القليل عشر.
وكذا الشيخ في كتبه قال: للقليل عشر، وللكثير خمسون.
وما أعرف لأقوالهم، رحمهم الله، مستندا صحيحا وتمسك الشيخ على ما ذكره في التهذيب، برواية محمد بن بزيع، قال: كتب إلى رجل يسأل الرضا عليه السلام، عن البئر تكون في المنزل، يقطر فيها قطرات، من بول أو دم وغير ذلك (2) فوقع في
Shafi 52
وروي في الشاة تسع أو عشر.
____________________
كتاب بخطه (1)، ينزح منها دلاء (2).
" قال رحمه الله ": (3) وأكثر عدد يضاف إلى الجمع عشر فالمراد بالدلاء عشر.
وفي التمسك ضعف، الآن ما قاله يكون في العدد المضاف وثانيا لأن الرواية المشتملة على المكاتبة تضعف (تقعد خ) عن الاستدلال. وما ذكره شيخنا دام ظله من ثلاثين إلى أربعين في رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى عليهما السلام قال: سألته عن رجل ذبح شاة فاضطربت فوقعت في بئر ماء وأوداجها تشخب دما، هل يتوضأ من تلك البئر؟ قال: ينزح منها، ما بين الثلاثين إلى الأربعين دلوا، ثم يتوضأ منها، ولا بأس، قال: وسألته عن رجل ذبح دجاجة، أو حمامة، فوقعت في بئر، هل يصلح أن يتوضأ منها؟ قال: ينزح منها دلاء يسيره ثم يتوضأ منها (4).
فينبغي أن يعمل عليه (به خ) وهو مذهب الشيخ في الاستبصار.
" قال دام ظلة ": وروي في الشاة تسع أو عشر.
روى هذه ابن كلوب، عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله، عن أبيه إن عليا عليهم السلام كان يقول: الدجاجة ومثلها تموت في البئر، ينزح منها دلوان أو ثلاثة، فإذا كانت شاة وما أشبهها فتسعة أو عشرة (5).
وأما وجه إلحاقهم لها بالكلب فلقول أبي عبد الله عليه السلام وللكلب وشبهه أربعون دلوا (6).
Shafi 53
وللسنور أربعون، وفي رواية سبع.
ولموت الطير واغتسال الجنب سبع، وكذا الكلب لو خرج حيا.
وللفأرة إن تفسخت أو انتفخت، وإلا فثلاث.
وقيل: دلو.
____________________
والشاة تشبه الكلب حجما (ضخما خ) في الأغلب.
وفتوى ابن بابويه في من لا يحضره الفقيه، على الأول، وهو أولى، لأن المشابهة ليست بصريحة فلا تعارض المنطوق، وأيضا روايته أصح سندا وفي الكلب روايات لا يحملها كتابنا والعمل على ما ذكره دام ظله.
" قال دام ظله ": وللسنور أربعون وفي رواية سبع.
وهو مذهب المفيد والشيخ وعلم الهدى ومستنده رواية علي بن ابن حمزة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: وسألته عن السنور؟ قال: أربعون (1).
قال ابن بابويه: بالسبع ومستنده رواية عمرو بن سعيد بن هلال، قال:
سألت أبا جعفر عليه السلام عما يقع في البئر ما بين الفأرة والسنور إلى الشاة؟ قال:
كل ذلك تقول سبع دلاء (2).
وعمرو هذا ضعيف فالأول (فالأولى خ) أولى وأحوط.
" قال دام ظله ": وللفأرة إن تفسخت أو انتفخت وإلا فثلاث وقيل: دلو.
يشير إلى ابن بابويه، في من لا يحضره الفقيه (فأما) باقي المشايخ، فعلى الثلاث، ولا خلاف بينهم، أن مع التفسخ سبع، (دلاء خ) إلا أن المفيد رحمه الله، زاد (أو
Shafi 54
ولبول الصبي سبع، وفي رواية ثلاث، ولو كان رضيعا فدلو واحدة، وكذا في العصفور وشبهه، ولو غيرت النجاسة ماءها نزح كله.
____________________
انتفخت) وتبعه أبو الصلاح وسلار (والمتأخر خ) والمأخذ ما نعرفه.
وأطلق علم الهدى في الفأرة سبعا، وجعل الثلاث رواية، والتفصيل الذي ذكره دام ظله، جمع بين الروايتين، ذكره الشيخ في الاستبصار، وبه يشهد رواية أبي سعيد المكاري، عن أبي عبد الله عليه السلام (1).
وفي رواية أبي خديجة عنه عليه السلام، في الفأرة أربعون، وإن نتنت تنزح (2)، وحملها الشيخ على الاستحباب.
" قال دام ظله ": ولبول الصبي سبع، وفي رواية ثلاث (3).
بالأولى يفتي الشيخان، وقال المرتضى: إذا أكل الطعام، فثلاث دلاء، وإن (لوخ) كان رضيعا دلو واحد، وكذا قال ابن بابويه.
والرضيع الذي علقوا الحكم عليه، لا يتناوله لفظ الرواية، بل يتناول (يتناوله خ) الصبي الفطيم.
روى ذلك علي بن الحكم، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: سألته عن بول الصبي الفطيم، يقع في البئر؟ فقال: دلو واحد، قلت: وبول الرجل؟ قال: ينزح منه أربعون دلوا (4).
Shafi 55
ولو غلب الماء فالأولى أن ينزح حتى يزول التغير، ويستوفى المقدر.
ولا ينجس البئر بالبالوعة (1) ولو تقاربتا ما لم يتصل بنجاستها، لكن يستحب تباعدهما قدر خمس أذرع إن كانت الأرض صلبة، أو كانت البئر فوقها، وإلا فسبع.
وأما المضاف: فهو ما لا يتناوله الاسم بإطلاقه، ويصح سلبه عنه، كالمعتصر من الأجسام، والمصعد، والممزوج بما يسلبه الإطلاق.
وكله طاهر لكن لا يرفع حدثا.
____________________
وقال الشيخ في الاستبصار (2): ويجوز أن تحمل على من لم يأكل الطعام، وحده المتأخر، بأن يكون في الحولين، أكل الطعام، أو لم يأكل، وفي الحمل ضعف وما ذكره المتأخر ضعيف، مبني على الضعف.
" قال دام ظله ": ولو غلب الماء فالأولى أن ينزح، حتى يزول التغير، ويستوفى المقدر.
في (غلب) ضمير يرجع إلى الماء، وموضع (فالأولى) من الأعراب رفع، بالابتداء، وخبره محذوف مقدر بالنزح (3)، ولفظة: (الأولى) دالة على أن في المسألة خلافا، قال الشيخان: مع تعذر نزح الكل، ينزح، حتى يطيب، وقال المرتضى، وابن بابويه، مع التعذر يتراوح (تراوح خ ل) عليها أربعة رجال، غدوة إلى الليل، وقال أبو الصلاح، ينزح، حتى يزول التغير، وما اعترض لنزح الكل (4).
Shafi 56