الأشياء مع الله تعالى قطعا، فإن المريد الصادق إذا صدق في طلب المدد من الله تعالى على يد شيخ حي أو ميت مما هو سبب من جملة الأسباب، فالله تعالى لا يخيبه البتة. فإن المرشد الكامل إذا كان حيا ليس في وسعه إيصال المريد إلى الله تعالى بتأثيره. وإنما الموصل هو الله تعالى وحده ولكن المرشد سبب كما قال تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم. الذي هو أعظم مرشد للأمة: (إنك لا تهدي من أجبت ولكن الله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم). وقال له: (ليس لك من الأمر شئ).
ونقل قدوتنا الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي قدس الله سره: أن من جملة مشايخه الذين انتفع بهم في طريق الله تعالى ميزاب رآه في مدينة فاس في حائط ينزل منه ماء السطح فانتفع به ومن مشايخه ظله الممتد من شخصه وذكر نحو ذلك في كتابه روح القدس. وهذه الأولياء الذين في قبورهم أليس أتهم أعلى من الميزاب والظل اللذين كان يستمد منهما الشيخ الأكبر رضي الله عنه بسبب صدقه في طلبه.
فكيف ينكر عاقل استمداد إنسان من ولي ميت من أولياء الله تعالى وهو يعلم أن روحانيات الأولياء متصلة بأجساهم في قبورهم كما سبق بيانه. وكيف يستبعد إنسان مسلم هذا الاستمداد من الأموات الذين هم أفضل من هؤلاء الأحياء الغافلين عن معرفة رب العالمين بيقين. ومع ذلك تراه إذا عرضت له حاجة إلى ظالم أو فاسق أو كافر جاء إليه متذللا خاضعا ويداهنه، ويطلب منه قضاء حاجته ويستمد منه ثم يقول: فلان قضى حاجتي ونفعني. بل إذا جاع استمد الشبع من المأكل، وإذا عطش استمد الري من الماء، وإذا عرى استمد ستر العورة من الثوب، ونحو ذلك استمدادا طبيعيا مع علمه أن المأكل والماء والثوب جمادات لا روح فيها. ولو صرح بهذا الاستمداد وقال: أنا أطلب الشبع من المأكل ونحوه على المعنى المجازي مع اعتقاده أن الله تعالى هو الممد الحقيقي فلا خطأ عليه ولا إثم ولا عار. وكذلك يقول هذا الغافل الدواء الفلاني مسهل والشئ الفلاني قابض والمعجون الفلاني نافع من كذا، ولا يبالي في هذا القول ولا يظهر منه الانتقاد والاحتراز إلا في حق نسبة التأثير والاستمداد إلى أولياء الله تعالى الذين هم أفضل عند الله تعالى من كل دواء وكل معجون وما ذلك إلا من انطماس البصيرة والعماء عن الصواب.
Shafi 19