وهو مجاز عن الهبة إن كان ذلك الرجل غنيا وعن الصدقة إن كان فقيرا. ورب إنسان يقول لآخر من أهل الذمة الكافرين بالله تعالى إن شفا الله تعالى مريضي فلك عندي مائة درهم مثلا. ولا يأثم في قوله ذلك. ويكون صدقة لأن الصدقة على فقراء أهل الذمة جائزة ما عدا الزكوات، كما قرره الفقهاء في كتبهم. فكيف يقول عاقل بحرمة قول الإنسان لولي من الأولياء بعد الموت إن شفى الله مريضي فلك عندي مائة درهم ونحوه. مع أن أهل الولاية أولى في هذا المعنى من غيرهم.
وإن كانوا أمواتا فإن القائل يعلم أن ذلك يصرف في مصالح الخادم لذلك الولي وللفقراء المجاورين عنده فيجعل ذلك وعدا وعطية وإباحة من ذلك القائل لكل من يأخذه، تصحيحا لقول المؤمنين ما أمكن والله ولي التوفيق.
وأما احتجاج بعض الناس على تحريم هذه الأمور بغير دليل قطعي فموجبه عدم الحياء من الله تعالى وعدم الخوف منه فإن الحرام في النهي في مقابلة الفرض في الأمر. وكل منهما يحتاج في ثبوته إلى دليل قطعي إما آية من كتاب الله تعالى أو سنة متواترة أو إجماع معتد به أو قياس يورده المجتهد لا غيره من المقلدين لأنه لا عبرة بقياس المقلدين الذين لم تتوفر فيهم شروط الاجتهاد كما هو مسطر في كتب الأصول.
وأما قول بعض المغرورين: بأننا نخاف على العوام إذا اعتقدوا وليا من الأولياء وعظموا قبره والتمسوا البركة والمعونة منه أن يدركهم اعتقاد أن الأولياء نؤثر في الوجود مع الله تعالى فيكفرون ويشركون بالله تعالى، فننهاهم عن ذلك نهدم قبور الأولياء ونرفع البنيانات الموضوعة عليها، ونزيل الستور عنها، وتجعل الإهانة للأولياء ظاهرا حتى تعلم العوام الجاهلون أن هؤلاء الأولياء لو كانوا مؤثرين في الوجود مع الله تعالى لدفعوا عن أنفسهم هذه الإهانة التي نفعلها معهم.
فاعلم أن هذا الصنيع كفر صريح مأخوذ من قول فرعون على ما حكاه الله تعالى لنا في كتابه القديم بقوله تعالى: (وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يحدث في الأرض الفساد). وكذلك هؤلاء المغرورون لم يكمل إيمانهم بعد بأن الله تعالى يحب أولياءه وأنه يخلق على أيديهم في حياتهم جميع ما قدر أن يريدوه مما لم يخالف الشرع وجميع ما تريده روحانياتهم بعد موتهم
Shafi 17