Tonon Asiri
كشف الأسرار شرح أصول البزدوي
Mai Buga Littafi
شركة الصحافة العثمانية
Lambar Fassara
الأولى
Shekarar Bugawa
مطبعة سنده ١٣٠٨ هـ - ١٨٩٠ م
Inda aka buga
إسطنبول
Nau'ikan
Usul al-Fiqh
فَاَللَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ الطَّلَاقَ مَرَّةً وَمَرَّتَيْنِ وَأَعْقَبَهُمَا بِإِثْبَاتِ الرَّجْعَةِ ثُمَّ أَعْقَبَ ذَلِكَ بِالْخُلْعِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ﴾ [البقرة: ٢٢٩] فَإِنَّمَا بَدَأَ بِفِعْلِ الزَّوْجِ، وَهُوَ الطَّلَاقُ ثُمَّ زَادَ فِعْلَ الْمَرْأَةِ، وَهُوَ الِافْتِدَاءُ وَتَحْتَ الْأَفْرَادِ تَخْصِيصُ الْمَرْأَةِ بِهِ وَتَقْرِيرُ فِعْلِ الزَّوْجِ عَلَى مَا سَبَقَ فَإِثْبَاتُ فِعْلِ الْفَسْخِ مِنْ الزَّوْجِ بِطَرِيقِ الْخُلْعِ لَا يَكُونُ عَمَلًا بِهِ بَلْ يَكُونُ رَفْعًا
ــ
[كشف الأسرار]
الْمُرَادُ بِالْمَرَّتَيْنِ حَقِيقَةً التَّثْنِيَةُ، وَإِلَى هَذَا الْوَجْهِ مَالَ الْمُصَنِّفُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى، ﴿فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ﴾ [البقرة: ٢٢٩]، أَيْ رَجْعَةٌ بِرَغْبَةٍ لَا عَلَى قَصْدِ إضْرَارٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ بِأَنْ لَا يُرَاجِعَهَا حَتَّى تَبِينَ بِالْعِدَّةِ أَوْ بِأَنْ لَا يُرَاجِعَهَا مُرَاجَعَةً يُرِيدُ بِهَا تَطْوِيلَ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا وَضِرَارَهَا، وَقِيلَ بِأَنْ تُطَلِّقَهَا الثَّالِثَةَ فِي الطُّهْرِ الثَّالِثِ، وقَوْله تَعَالَى ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٩] أَيْ عَلِمْتُمْ أَوْ ظَنَنْتُمْ، وَهُوَ خِطَابٌ لِلْحُكَّامِ، أَنْ لَا يُقِيمَا أَيْ الزَّوْجَانِ حُدُودَ اللَّهِ أَيْ حُقُوقَ الزَّوْجِيَّةِ بِمَا يَحْدُثُ مِنْ نُشُوزِهَا أَوْ نُشُوزِهِمَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَيْ لَا إثْمَ عَلَى الرَّجُلِ فِيمَا أَخَذَ، وَلَا عَلَى الْمَرْأَةِ فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ نَفْسَهَا أَيْ لَا يَكُونُ دَفْعُهَا إسْرَافًا وَأَخْذُهُ ظُلْمًا.
هَذَا تَفْسِيرُ الْآيَةِ، ثُمَّ اعْلَمْ بِأَنَّ الْخُلْعَ طَلَاقٌ عِنْدَنَا، وَهُوَ مَذْهَبُ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ وَأَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ ﵃ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ﵀ فِي قَوْلِهِ الْقَدِيمِ: هُوَ فَسْخٌ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ عُثْمَانَ ﵃، وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي انْتِقَاصِ عَدَدِ الثَّلَاثِ بِهِ تَمَسَّك الشَّافِعِيُّ بِأَنَّهُ عَقْدٌ مُحْتَمِلٌ لِلْفَسْخِ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ بِخِيَارِ عَدَمِ الْكَفَاءَةِ وَخِيَارِ الْعِتْقِ وَخِيَارِ الْبُلُوغِ عِنْدَكُمْ فَيَنْفَسِخُ بِالتَّرَاضِي، وَذَلِكَ بِالْخُلْعِ قِيَاسًا عَلَى الْبَيْعِ فَالشَّيْخُ ﵀ تَمَسَّك فِي إثْبَاتِ كَوْنِهِ طَلَاقًا بِالنَّصِّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ.
قَوْلُهُ (ذَكَرَ الطَّلَاقَ مَرَّةً) يَعْنِي بِقَوْلِهِ عَزَّ اسْمُهُ ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ﴾ [البقرة: ٢٢٨] وَذَكَرَهُ مَرَّتَيْنِ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَأَعْقَبَهُمَا الضَّمِيرَ الْبَارِزَ رَاجِعٌ إلَى الْمَرَّةِ وَالْمَرَّتَيْنِ لَا إلَى الْمَرَّتَيْنِ فَحَسْبُ أَيْ أَعْقَبَ الْمَرَّةَ بِإِثْبَاتِ الرَّجْعَةِ بِقَوْلِهِ ﴿وَبُعُولَتُهُنَّ﴾ [البقرة: ٢٢٨] وَالْمَرَّتَيْنِ بِقَوْلِهِ ﴿فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ﴾ [البقرة: ٢٢٩] لِيَعْلَمَ أَنَّ الرَّجْعَةَ مَشْرُوعَةٌ بَعْدَ تَطْلِيقَتَيْنِ كَمَا هِيَ مَشْرُوعَةٌ بَعْدَ تَطْلِيقَةٍ كَذَا قِيلَ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ مُرَادَهُ مِنْ الذِّكْرِ مَرَّةً وَمَرَّتَيْنِ الذِّكْرُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لَا غَيْرُ إذْ السَّوْقُ يَدُلُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ فِي بَيَانِ قَوْله تَعَالَى، ﴿الطَّلاقُ مَرَّتَانِ﴾ [البقرة: ٢٢٩]، وَدَلَالَتُهُ عَلَى أَنَّ الْخُلْعَ طَلَاقٌ لَا فِي بَيَانِ قَوْلِهِ عَزَّ ذِكْرُهُ، ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ﴾ [البقرة: ٢٢٨]، إذْ لَا حَاجَةَ لَهُ إلَى التَّمَسُّكِ بِهِ؛ وَإِنَّمَا يَحْسُنُ ذَلِكَ التَّفْسِيرُ لَوْ قَالَ مِنْ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ﴾ [البقرة: ٢٢٨] وَقَوْلُهُ ﴿الطَّلاقُ مَرَّتَانِ﴾ [البقرة: ٢٢٩] اللَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ الطَّلَاقَ مَرَّةً وَمَرَّتَيْنِ وَلَمْ يَقُلْ كَذَلِكَ، وَيَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا بَيَانُ وَجْهِ التَّمَسُّكِ أَيْضًا، وَالْغَرَضُ مِنْ ضَمِّ الْمَرَّةِ إلَى الْمَرَّتَيْنِ مَعَ أَنَّ الْمَقْصُودَ يَتِمُّ بِدُونِهِ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّ التَّثْنِيَةَ؛ وَإِنْ كَانَتْ مَقْصُودَةً كَمَا ذَكَرْنَا فَالتَّفْرِيقُ فِيهَا مَقْصُودٌ أَيْضًا حَتَّى لَا يَحِلُّ إرْسَالُ التَّطْلِيقَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ مَرَّتَانِ وَإِرْسَالُهُمَا جَمْعًا لَا يُسَمَّى مَرَّتَيْنِ كَمَنْ أَعْطَى فَقِيرًا دِرْهَمَيْنِ لَا يُقَالُ أَعْطَاهُ مَرَّتَيْنِ إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ فَعَلَى مَا ذَكَرْنَا يَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ وَمَرَّتَيْنِ أَيْ مَعَ الْأُولَى لَا بِدُونِهَا كَمَا يُقَالُ نَصَحْتُك مَرَّةً وَمَرَّتَيْنِ فَلَمْ تَسْمَعْ وَأَتَيْت بَابَك مَرَّةً وَمَرَّتَيْنِ فَمَا صَادَفْتُك وَيُرَادُ مَعَ الْأُولَى لَا أَنَّهُ نَصَحَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَأَتَاهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ فِي وَأَعْقَبَهُمَا رَاجِعًا إلَى الْمَرَّةِ وَالْمَرَّتَيْنِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَأَنْ يَكُونَ رَاجِعًا إلَى الْمَرَّتَيْنِ فَحَسْبُ، وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ إثْبَاتُ الرَّجْعَةِ بِقَوْلِهِ، فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ لَا غَيْرُ، فَافْهَمْ. قَوْلُهُ (فَإِنَّمَا بَدَأَ) بَيَانَ وَجْهِ التَّمَسُّكِ أَيْ بَدَأَ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَوَّلِ الْآيَةِ بِذِكْرِ فِعْلِ الزَّوْجِ، وَهُوَ الطَّلَاقُ ثُمَّ زَادَ فِعْلَ الْمَرْأَةِ، وَهُوَ الِافْتِدَاءُ، وَبَحَثَ الْإِفْرَادَ أَيْ إفْرَادَ الْمَرْأَةِ بِالذِّكْرِ تَخْصِيصُهَا بِالِافْتِدَاءِ
1 / 90