Tonon Asiri
كشف الأسرار شرح أصول البزدوي
Mai Buga Littafi
شركة الصحافة العثمانية
Lambar Fassara
الأولى
Shekarar Bugawa
مطبعة سنده ١٣٠٨ هـ - ١٨٩٠ م
Inda aka buga
إسطنبول
Nau'ikan
Usul al-Fiqh
وَلِهَذَا حَلَّتْ لَهُ الصَّدَقَةُ فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْإِغْنَاءُ وَلِهَذَا لَا يَتَأَدَّى الزَّكَاةُ إلَّا بِعَيْنٍ مُتَقَوِّمَةٍ.
وَأَمَّا الْكَفَّارَةُ فَلَا تَسْتَغْنِي عَنْ شَرْطِ الْقُدْرَةِ وَعَنْ قِيَامِ صِفَةِ الْيُسْرِ فِي تِلْكَ الْقُدْرَةِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُشْرَعْ لِلْإِغْنَاءِ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا شُرِعَتْ سَاتِرَةً أَوْ زَاجِرَةً لَا أَمْرًا أَصْلِيًّا لِلْفَقِيرِ إغْنَاءً، وَأَلَا تَرَى أَنَّهُ يَتَأَدَّى بِالتَّحْرِيرِ وَبِالصَّوْمِ وَلَا إغْنَاءَ فِيهِمَا لَكِنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ نَيْلُ الثَّوَابِ لِيُقَابَلَ بِمُوجِبِ الْجِنَايَةِ وَمَا يَقَعُ بِهِ كِفَايَةُ الْفَقِيرِ فِي بَابِ الْكَفَّارَةِ يَصْلُحُ سَبَبًا لِلثَّوَابِ وَلِذَلِكَ يَتَأَدَّى بِالْإِبَاحَةِ وَلَا إغْنَاءَ يَحْصُلُ بِهَا فَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْإِغْنَاءُ مَقْصُودًا لَمْ يَشْتَرِطْ صِفَةَ الْغِنَى فِي الْمُخَاطَبِ بِهَا بَلْ الْقُدْرَةُ وَالْيُسْرُ بِهَا شَرْطٌ وَذَلِكَ لَا يَنْعَدِمُ بِالدَّيْنِ وَيَتَبَيَّنُ أَنَّهَا لَمْ تَجِبْ شُكْرًا لِلْغِنَى بَلْ جَزَاءً لِلْفِعْلِ فَلَمْ يَشْتَرِطْ كَمَالَ صِفَةِ الْغِنَى إنَّمَا شَرَطَ أَدْنَى مَا يَصْلُحُ لِطَلَبِ الثَّوَابِ وَأَصْلُ الْمَالِ كَافٍ لِذَلِكَ
ــ
[كشف الأسرار]
لَيْسَ نَفْيَ الْوُجُودِ إذْ هِيَ تُوجَدُ وَتَصِحُّ بِدُونِ الْغَنَاءِ فَيُحْمَلُ عَلَى نَفْيِ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ أَشَدُّ مُنَاسَبَةً لِلْوُجُودِ مِنْ غَيْرِهِ وَلَيْسَ اشْتِرَاطُهُ لِثُبُوتِ الْيُسْرِ فِي الْوَاجِبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ بَلْ لِثُبُوتِ الْأَهْلِيَّةِ عَلَى مَا مَرَّ وَلَا احْتِيَاجَ لِثُبُوتِ الْأَهْلِيَّةِ إلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَقْصُودُ غَنَاءَ الْفَقِيرِ فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّهَا وَجَبَتْ لِمَعْنَى الْإِغْنَاءِ، وَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّهَا وَجَبَتْ لِمَعْنَى إغْنَاءِ الْفَقِيرِ إنَّمَا يَجِبُ شُكْرًا لِنِعْمَةِ الْغَنَاءِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ بِهِ تَعَلَّقَ بَقَاءُ الْأَبْدَانِ وَبِهِ نِيطَ مَقَاصِدُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ النَّبِيُّ ﷺ بِقَوْلِهِ «نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحُ لِلرَّجُلِ الصَّالِحِ»، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَخْلُوَ عَنْ شُكْرٍ يَجِبُ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى سَبِيلِ الْعِبَادَةِ كَنِعْمَةِ الْبَدَنِ وَلَمْ يَجِبْ فِي الْمَالِ عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ سِوَى الزَّكَاةِ فَتَعَيَّنَتْ لِشُكْرِ نِعْمَةِ الْمَالِ.
ثُمَّ الشُّكْرُ يَسْتَدْعِي سَبَبًا كَامِلًا لِيُؤَثِّرَ فِي إيجَابِ الشُّكْرِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَامِلًا كَانَ مُلْحَقًا بِالْعَدَمِ مِنْ وَجْهٍ وَالْعَدَمُ لَا يُؤَثِّرُ فَيَمْتَنِعُ وُجُوبُ الشُّكْرِ مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ، وَالدَّيْنُ يُسْقِطُ الْكَمَالَ أَيْ عَنْ الْغِنَى قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: وَحَاجَتُهُ إلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ بِالْمَالِ تُعْدِمُ تَمَامَ الْغِنَى بِمِلْكِهِ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ اسْتِحْقَاقَ الْمَالِ عَلَيْهِ وَالْمُسْتَحَقُّ بِجِهَةٍ كَالْمَصْرُوفِ إلَى تِلْكَ الْجِهَةِ بِمَنْزِلَةِ الْمَاءِ الْمُعَدِّ لِلْعَطَشِ، وَلَا يُعْدِمُ أَصْلَهُ أَيْ أَصْلَ الْغِنَى؛ لِأَنَّ الْمَالَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ وَلِهَذَا جَازَتْ تَصَرُّفَاتُهُ فِيهِ وَلَمَّا زَالَ وَصْفُ الْكَمَالِ عَنْهُ لَمْ يَجِبْ بِهِ الْإِغْنَاءُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالْغِنَى الْكَامِلِ وَقَدْ عُدِمَ.
قَوْلُهُ (شَطْرًا مِنْ الْكَامِلِ) أَيْ بَعْضًا مِنْهُ وَشَطْرُ الشَّيْءِ نِصْفُهُ إلَّا أَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي الْبَعْضِ تَوَسُّعًا، وَمِنْهُ «قَوْلُهُ ﵇ فِي الْحَائِضِ تَقْعُدُ شَطْرَ عُمُرِهَا»، سَمَّى الْبَعْضَ شَطْرًا تَوَسُّعًا فِي الْكَلَامِ وَاسْتِكْثَارًا لِلْقَلِيلِ وَمِثْلُهُ فِي التَّوَسُّعِ «تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ وَعَلِّمُوهَا النَّاسَ فَإِنَّهَا نِصْفُ الْعِلْمِ»، كَذَا فِي الْمُغْرِبِ.
قَوْلُهُ (وَلِهَذَا حَلَّتْ) أَيْ وَلِانْتِفَاءِ الْغِنَى بِانْتِفَاءِ الْكَمَالِ عَنْهُ حَلَّتْ لِلْمَدْيُونِ الصَّدَقَةُ أَيْ الزَّكَاةُ وَهِيَ لَا تَحِلُّ لِغَنِيٍّ إذَا لَمْ يَكُنْ عَامِلًا وَابْنِ السَّبِيلِ.
قَوْلُهُ (وَلِهَذَا لَا يَتَأَدَّى الزَّكَاةُ) أَيْ وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ وَجَبَتْ لِمَعْنَى الْإِغْنَاءِ لَا يَتَأَدَّى إلَّا بِعَيْنٍ مُتَقَوِّمَةٍ أَيْ بِتَمْلِيكِ عَيْنٍ مُتَقَوِّمَةٍ حَتَّى لَوْ أَسْكَنَ الْفَقِيرَ دَارِهِ سَنَةً بِنِيَّةِ الزَّكَاةِ لَا يُجْزِيهِ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَيْسَتْ بِعَيْنٍ مُتَقَوِّمَةٍ، وَكَذَا لَوْ أَبَاحَهُ طَعَامًا بِنِيَّةِ الزَّكَاةِ فَأَكَلَهُ الْفَقِيرُ لَا يُجْزِيهِ عَنْ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّهُ أَكَلَ مَالَ الْغَيْرِ وَبِهِ لَا يَحْصُلُ الْغِنَى، قَالَ أَبُو الْيُسْرِ الزَّكَاةُ شُرِعَتْ لِإِغْنَاءِ الْفَقِيرِ لِقَوْلِهِ ﵇، «أَغْنُوهُمْ» وَالْوَاجِبُ فِيهَا هُوَ الْإِغْنَاءُ الْكَامِلُ وَهُوَ تَمْلِيكُ مَالٍ مُحْتَرَمٍ مُتَقَوِّمٍ بِلَا نُقْصَانٍ فِي نَفْسِهِ وَالْإِغْنَاءُ الْكَامِلُ لَا يَجِبُ إلَّا عَلَى الْغَنِيِّ الْكَامِلِ كَمَا فِي التَّمْلِيكِ بِغَيْرِ عِوَضٍ لَا يَحْصُلُ إلَّا مِنْ الْمَالِكِ.
قَوْلُهُ (سَاتِرَةً أَوْ زَاجِرَةً) أَيْ سَاتِرَةً بَعْدَ الْجِنَايَةِ زَاجِرَةً قَبْلَهَا وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ تَضَمَّنَتْ مَعْنَى الْعِبَادَةِ وَالْعُقُوبَةِ فَبِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ هِيَ سَاتِرَةٌ لِلذَّنْبِ أَيْ مَاحِيَةٌ لَهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾ [هود: ١١٤] وَقَالَ ﵇ «أَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا» أَوْ هِيَ سَاتِرَةٌ لِمُرْتَكِبِ الذَّنْبِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا مَزَّقَ لِبَاسَ تَقْوَاهُ بِارْتِكَابِهِ حَتَّى صَارَ عُرْيَانًا سَتَرَتْهُ الْكَفَّارَةُ وَصَارَتْ تَرْقِيعًا لِمَا مَزَّقَ، وَبِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْعُقُوبَةِ هِيَ زَاجِرَةٌ كَسَائِرِ الْعُقُوبَاتِ.
قَوْلُهُ (وَلِذَلِكَ) أَيْ وَلِأَنَّهَا لَمْ تُشْرَعْ لِلْإِغْنَاءِ تَتَأَدَّى بِالْإِبَاحَةِ، فِي الْمُخَاطَبِ بِهَا أَيْ فِي كَوْنِهِ مُخَاطَبًا بِأَدَاءِ الْكَفَّارَةِ، بَلْ شُرِطَتْ الْقُدْرَةُ وَالْيُسْرُ بِهَا أَيْ شُرِطَتْ الْقُدْرَةُ الْمُيَسِّرَةُ.
، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بَلْ الْقُدْرَةُ وَالْيُسْرُ بِهَا أَيْ تَعَلَّقَتْ أَوْ وَجَبَتْ بِالْقُدْرَةِ الْمُيَسِّرَةِ، وَذَلِكَ
1 / 209