فقالت لي همسا: الحزن يقتلني قتلا.
فسألتها برقة: ألا تعرفين أين مسكنه؟ - كلا، في مكان ما بالحسينية، وهو طالب بكلية الطب، ولكن الجامعة مغلقة لعطلة الصيف، لا أدري شيئا كما ترى.
وكرت الأيام والأسابيع حتى أوشكت قرنفلة على الجنون، وحزنت لها حزنا بالغا حتى قلت لها: أنت تهلكين نفسك بلا رحمة. - لست في حاجة إلى الرحمة ولكني بحاجة إليه.
وتجنب زين العابدين العاصفة بالصمت والانزواء، وكان يداري ارتياحه العميق بالتجهم والاستغراق في النارجيلة. ويوما قال طه الغريب: سمعت عن أنباء اعتقالات واسعة.
فوجمنا جميعا. وقلت: ولكن أغلبيتهم تنتمي للثورة.
فقال رشاد مجدي: ولكن توجد أقلية مخالفة لا يستهان بها.
فقال محمد بهجت: وضح الحق، قد أرادوا اعتقال المتهمين فساقوا أصدقاءهم معهم حتى يتم التحقيق.
وكانت قرنفلة تتابع الحديث بذهول كالبلاهة وترفض أن تفهم شيئا أو تقتنع بشيء.
وجرى الحديث بيننا تعليقا على الحدث: الاعتقال فعل مخيف حقا. - وما يقال عما يقع للمعتقلين أفظع. - شائعات يقشعر منها البدن. - لا تحقيق ولا دفاع. - لا يوجد قانون أصلا. - يقولون إننا نعيش ثورة يستوجب مسارها تلك الاستثناءات. - وإنه لا بد من التضحية بالحرية والقانون ولو إلى حين. - ولكن مضى على الثورة ثلاثة عشر عاما أو يزيد، فآن لها أن تستقر على نظام ثابت.
أما قرنفلة فقد أهملت عملها، كانت تغيب بعض النهار أو النهار كله وأحيانا اليوم بأكمله، تاركة المقهى لعارف سليمان وإمام الفوال، وقالت لي: لم أدع أحدا أعرفه من كبراء الماضي أو الحاضر إلا زرته وسألته، ولا جواب عند أحد، ولكنك تسمع كلاما غير متوقع مثل: «من أدرانا؟» أو «حذار من السؤال وإلا ساءت العواقب.» أو «لا ترحبي بالشباب في مقهاك.» ماذا حصل للدنيا؟!
Shafi da ba'a sani ba