ولم يكف زين العابدين عبد الله يوما عن التحلي بالصبر، وترقب الفرصة المواتية، ولا شك أن رجوع حلمي حمادة قد أفسد خطته، وحرك مخاوف اليأس في أعماقه؛ فدفعه ذلك إلى تجاوز حرصه المعهود فقال مرة باستهتار على مسمع من قرنفلة: إن وجودهم بالمقهى خليق بالإساءة إلى سمعته.
فسألته قرنفلة: متى تنوي الرحيل؟
فتجاهل قسوتها ببرودة، وقال بنبرة الوعاظ: لي مشروع جم الفوائد يستحق العناية والجدية.
وسألني مستوهبا تأييدي: ما رأيك في المشروع؟
فسألت بدوري قرنفلة: ألا ترغبين في الإسهام بقوة أكبر في الرأسمالية الوطنية؟
فقالت بسخرية: ولكنه يطمع في المال وصاحبة المال.
فبادرها قائلا: اقتراحي يتعلق بالعمل وحده، أما القلوب فشئونها بيد الله ذي الجلال!
فلم تعن بمناقشته أكثر، وبدا أن العشق يستأثر بلبها كله. وطالما شعرت بأنها تمثل دور العاشقة العمياء، فامتلأ قلبي نحوها بالعطف والإشفاق. ولم أشك في أن الفتى يحبها حب مراهقة، هي تتقن كيف تفتنه وتسره وهو ينهل من منابع حنانها، ولكن حتى متى يدوم ذلك؟ وكانت إلى ذلك تساورني بعض الشكوك من ناحية أطماعه، ولكنها قالت لي بثقة لا حد لها: إنه نظيف بقدر ما هو ذكي، ليس من النوع الذي يبيع نفسه.
أفلحت لو صدقت، ولا أملك ما يدعوني للشك في صدقها، ثم إن منظر الشاب وحديثه يدعوان للثقة، وإن شابه الغموض أحيانا والعنف في كثير من الأحايين، ولكن ما جدوى كل ذلك حيال الحقيقة المجسدة وهي أن قرنفلة قد جاوزت خريف العمر، وأنه لم يبق لها من تراث الإغراء إلا المال والإخلاص؟! وقد قال لي زين العابدين مرة: لا يغرنك منظره.
فعلمت أنه يتحدث عن حلمي حمادة وسألته: ماذا تعرف عنه؟ - إنه برمجي عصري أو قناع خداع.
Shafi da ba'a sani ba