Ƙiyayya, Abota, Soyayya, Aure
كراهية وصداقة وغزل وحب وزواج
Nau'ikan
وعلى الرغم من ذلك كله، بدا من المستحيل أنه لم يعد لديه ما يقوله لها. بحثت أولا على الأرضية، ظنا منها أنه ربما يكون قد أطاح بالورقة فأوقعها عن المنضدة بكم منامته عندما وضع قدح الماء لآخر مرة، أو لعله حرص خصوصا على ألا يفعل ذلك. نظرت تحت قاعدة الأباجورة، ثم في درج الكومود، ثم تحت خفيه وبداخلهما. التقطت الكتاب وهزت صفحاته، كان الكتاب الذي يقرؤه مؤخرا حول علوم الحفريات، ويدور - على حسب ما اعتقدت - حول انفجار العصر الكمبري الذي أدى لظهور أشكال الحياة العديدة الخلايا.
لا شيء هناك.
بدأت تنبش بسرعة بين طيات أغطية السرير. نفضت اللحاف، ثم الملاءة العليا. ها هو راقد، في منامته الحريرية الغامقة الزرقة التي اشترتها له قبل أسبوعين. كان قد اشتكى من شعوره بالبرد - هو الذي لم تساوره البرودة في الفراش قبل ذلك قط - فذهبت واشترت أغلى المنامات التي وجدتها في المتجر؛ اشترتها لأن الحرير كان خفيفا ودافئا معا، ولأن كل المنامات الأخرى التي رأتها - بأقمشتها المقلمة، وإيحاءاتها المتقلبة أو البذيئة - جعلتها تفكر في رجال عجائز، والأزواج الذي يرسمون في الصور الهزلية بالصحف، مهزومين يجرون أقدامهم ببطء. كانت البيجامة بنفس لون الملاءات تقريبا، بحيث لم ينكشف لها منه إلا القليل: قدمان، كاحلان، عظام الساقين، يدان، رسغان، رقبة، رأس. كان راقدا على جنبه، موليا وجهه بعيدا عنها. ما زال تركيزها على الرسالة، حركت الوسادة، سحبتها بشدة من تحت رأسه.
لا شيء، لا.
عندما انتقل رأسه من الوسادة إلى الحشية أصدر صوتا محددا، صوتا كان أثقل مما توقعته. وكان ذلك الصوت، بقدر ما كان امتداد الملاءة الخالي، بدا وكأنه يقول لها إن بحثها بلا طائل.
حملته الأقراص إلى النوم، وأجهزت على جميع عملياته الحيوية خلسة، وهكذا لم تكن على وجهه تحديقة موت ولا التواء. كان فمه مفتوحا فتحة صغيرة، ولكنه جاف. الشهور القليلة الأخيرة غيرته بقدر كبير، غير أنها لم تر إلى أي حد كان قد تغير إلا الآن فقط. عندما كانت عيناه مفتوحتين، أو حتى عندما كان يأخذه النوم، كان يبذل بعض الجهد للحفاظ على وهم مفاده أن ما لحقه من ضرر كان شيئا مؤقتا، وأن الوجه ذا الحيوية ما زال هناك، وجه رجل في الثانية والستين من العمر فيه عدوانية محتملة على الدوام، ما زال هناك، تحت ثنايا البشرة التي ازرق لونها، وتحت اليقظة الحجرية للمرض. لم يكن التكوين العظمي لوجهه بالمرة هو ما يمنحه قوته وشخصيته المفعمة بالحياة، بل أتى ذلك كله من العينين اللامعتين الغائرتين والفم المختلج وسماحة التعبير، وعرض التجاعيد الذي سرعان ما يتغير بحيث يؤثر على تنويعة تعبيرات وجهه من السخرية، وعدم التصديق، والصبر المتهكم، ومعاناة الاشمئزاز. تنويعة تعبيرات كانت خاصة بالصف المدرسي، غير أن وجودها لم يكن قاصرا على حدود الصف.
لا مزيد، لا مزيد. الآن وبعد ساعتين من موته (لأنه ولا شك اندفع نحو المهمة بمجرد أن غادرت هي البيت، غير راغب في المجازفة بألا يكون قد انتهى الأمر تماما لدى رجوعها)، بات واضحا أن التبدد والتداعي قد انتصرا وانكمش وجهه انكماشا عميقا. كان محكم الإغلاق، نائيا، شائخا وطفليا معا، ربما مثل وجه طفل ولد ميتا.
كان للمرض ثلاثة أساليب مختلفة في الانطلاق. أحدها يتعلق باليدين والذراعين؛ إذ يسري الخدر في الأصابع فتصير بليدة وغبية، ويصير إمساكها بأي شيء مرتبكا، ثم يصبح مستحيلا. أو من الممكن أن يتسلل الوهن إلى الساقين أولا، وتبدأ خطوات القدمين في التعثر، وسرعان ما ترفض الارتفاع للأعلى أو حتى اجتياز حواف سجادة. النوع الثالث والأسوأ بينها كان هجمة موجهة نحو الحلق واللسان؛ يصبح البلع مهمة غير مأمونة، مخيفة، دراما الاختناق، والكلام يتحول إلى تيار متجلط من مقاطع لفظية مزعجة. كانت العضلات الإرادية هي المعرضة للتأثير، على الدوام، وفي البداية بدا ذلك بالفعل كأنه أهون الضررين. فلا إخفاقات تشغيل قد تنتاب القلب أو المخ، ولا إشارات عصبية تنحرف عن مسارها، ولا تغيرات خبيثة تطرأ على الشخصية. السمع والبصر والذوق واللمس، والأهم من ذلك كله الذكاء، كل ذلك بقي حيويا وقويا كالعهد به على الدوام. ظل المخ يعمل، مستغرقا في مراقبة كل الأعطال البعيدة عن المركز، والعد التنازلي لأعراض فقدان القدرة واستهلاك القوى. أكان من الصواب تفضيل ذلك الاحتمال عن الآخر حقا؟
بالتأكيد، هذا ما قاله لويس، ولكن فقط من أجل ما يتيحه ذلك من فرصة، فرصة اتخاذ خطوة.
كانت مشكلاته هو قد بدأت مع عضلات ساقيه. التحق بفصل تعليمي للياقة البدنية خاص بالمسنين (على الرغم من كراهيته للفكرة)، ليرى إن كان من الممكن بعث القوة في ساقيه من جديد. ظن أن ذلك يجدي نفعا، لأسبوع أو اثنين. ولكن عندئذ حدث التسارع المتهور، التخبط والوقوع، وقبل مدة طويلة، كان التشخيص النهائي. ما إن عرفوا ما يكفي حتى تحدثوا بشأن ما يجب القيام به عندما يحين الوقت. في وقت مبكر من هذا الصيف، كان يسير مستعينا بعكازين، وبحلول نهاية الصيف لم يعد بمقدوره السير بالمرة، غير أن يديه كان لا يزال بوسعهما أن تقلبا صفحات كتاب، والإمساك - في صعوبة - بشوكة أو ملعقة أو قلم. بدا لنينا أن قدرته على الحديث لم تتأثر تقريبا، ولو أن تردد الزوار كان يضايقه، فقرر منع تلك الزيارات على كل حال. تغير نظامه الغذائي، حتى يتسنى له البلع على نحو أسهل، وأحيانا كانت تمر أيام دون أي صعوبة من ذلك النوع.
Shafi da ba'a sani ba