لا يطيقون وقد شهد بذلك قوله عزوجل * (لا يكلف الله نفسا الا وسعها) * وإنما جازت العبادة بذلك ونحوه لما فيه من التذلل والخضوع والاستكانة والخشوع فيجوز على هذا الوجه ان نسئله ان يهدينا الصراط المستقيم بمعنى يدلنا عليه وان كان قد دل وهدى جميع المكلفين قال الله تعالى * (وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى) * (مسألة) لهم قالت المجبرة ما معنى قول الله تعالى * (ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا أو اخطانا) * وكيف يجوز ان يتعبدنا بالدعاء بذلك وعندكم ان النسيان من فعله سبحانه ولا تكليف على الناس في حال نسيانه (جواب) يقال للمجبرة لسنا نحيل ان يكون المراد من النسيان المذكور في هذه الاية السهو وفقد العلم ويكون وجه الدعاء الى الله تعالى بترك المؤاخذة عليه جاريا مجرى ما تقدم ذكره من الانقطاع إليه واظهار الفقر الى مسئلته والاستعانة به وان كان مامونا منه في المؤاخذة بمثله على المعنى الذي اوضحنا قبل هذه المسألة ويجوز ايضا ان نحمل النسيان المذكور فيها على ان المراد به الترك كما قال سبحانه * (ولقد عهدنا الى آدم من قبل فنسى) * أي فترك ولو لا ذلك لم يكن فعله معصية كقوله * (نسوا الله فنسيهم) * أي تركوا طاعته فتركهم من ثوابه ورحمته وقد يقول الرجل لصاحبه لا تنسنى من عطيتك اي لا تتركني منها وانشد أبو عرفة (ولم اك عند الجود للجود قاليا) (ولا كنت يوم الروع للطعن ناسيا) يعنى تاركا ويشهد بصحة ذلك قول الله عزوجل * (اتامرون الناس بالبر وتنسون انفسكم) * بمعنى وتتركون انفسكم (فصل) من الفرق بين مذهبنا ومذهب المجبرة في الافعال التي نعتقده ان الله تعالى لا يكلف عباده ما لا يطيقون ولا يثيبهم ولا يعاقبهم الا على ما يفعلون وان الايمان فعل المؤمن وان الكفر فعل الكافر وتزعم المجبرة ان الله تعالى يكلف العبد ما لا يطيقه ويامره بما لا يقدر عليه ولا يتاتى منه ويثيبه ويعاقبه على ما لم يفعله والايمان والكفر فعلان لله تعالى ونعتقد ان القدرة التي اعطاها الله تعالى للعبد هي قدرة على الايمان والكفر وانه يفعل بهما ايهما شاء باختياره ولا يصح ان يفعلهما معا في حال واحدة لتضادهما فقد حصل من هذا ان الذي امره الله بالايمان ونهاه عن الكفر قادر على ما امره به ونهاه عنه وصح انه سبحانه لا يكلف العبد الا ما يستطيعه وتزعم المجبرة ان القدرة التي اعطاها الله عزوجل للعبد لا تصلح إلا لشئ واحد أما للايمان وأما للكفر وان قدرة الايمان تضاد قدرة الكفر ولا يصح اجتماعهما معا فالذي معه قدرة الايمان
--- [ 41 ]
Shafi 40