كنز الفوائد
كنز الفوائد
والاخبار قد تناصرت في قوم عمروا في قريب الزمان سوف اذكر جماعة منهم ليتاكد البيان وليس مع المنازعة لنا بعد ذلك من ذي بصيرة وعرفان فإن قال قائل ان الاعمار قد كانت تتطاول في سالف الدهر ثم تناقصت عصرا بعد عصر حتى انتهت الى ما نراه مما لا يجوز اليوم سواه قيل له ان العاقل يعلم ان الزمان لا تأثير له في الاعمار وان زيادتها ونقصانها من فعل قادر مختار يغيرها في الاوقات بحسب مما يراه من الصلاح ولسنا ننكر ان الله سبحانه قد اجرى العادة اليوم باقدار متقاربة في الاعمار يخالف ما كان في متقدم الزمان غير ان هذا لا يحيل طول عمر بعض الناس إذا كان ممكنا من القادر المعطي للاعمار وقد ذكرنا ان الاخبار قد اتت بذكر المعمرين كانوا في قريب الزمان فلا طريق الى دفع ما ذكرناه مع هذا الايضاح واما الذين استعاروا كلام الفلاسفة من المخالفين لنا في هذه المسألة وقولهم في العمر من المستحيل في العقول فانهم لم يعولوا في العلم بذلك على ضرورة يشاركهم العقلاء فيها وإذا عدموا الضرورة فلا بد من حجة عقلية يطالبون بايرادها ولا حجة معهم ينطقون بها ولا عمدة لهم اكثر من الهوى والرجوع الى ما يشاهد ويرى والهوى مضله والانكار لما لم يشاهد مزلة وليس من موحد ولا ملحد إلا وهو يثبت ما لا يرى ويقر بما لم يشاهد فالموحد يقر بالله تعالى والملائكة وطول اعمارها ولم نر شيئا منها ما تعترف بالحق ايضا والملحدة قد تقر بوجود جواهر بسيطة لا تجوز عليها الرؤية وتدعى ايضا وجود عقل تغيير كليين لم نرهما ولا رات الجبرويين فضلا عنها وكل فرقة تدعي وجود اشياء لم تر فمن زعم انه لا يثبت الا ما شاهد وراى فقد افسد على نفسه من مذهبه وهؤلاء يتكلمون في العمر ولا يدرون ما هو والعمر هو اتصال كون الحي المحدود حيا فهذا الاتصال إنما يكون بدوام الحياة والحياة فعل الله تعالى فليس يستحيل منه ادامتها وكل ما جاز ان يفعله الله تعالى من طول العمر فانه يجوز ان يفعل مثله في دوام الصحة والقوة وعدم الضعف والهرم وأما الذين استعاروا كلام المنجمين من المنازعين لنا في جواز طول العمر فانهم يعتمدون الظنون دون اليقين والعقلاء يعلمون ان اصول المنجمين في الاحكام لا يثبت بالنظر والدليل وبينهم من التجارب فيها والاختلاف ما لا يخفى على المتأمل اني قد وجدت في كتاب أحد علمائهم وهو الكتاب المعروف
--- [ 247 ]
Shafi 246