144

والاعادة لما سلف لي من الجواب ليسمع ذلك الرجل الحاضر فقلت له الا سئلتم الفقيه اعادة ما كان اورده لعله ان يرضي هذا الشيخ إذا سمعه وعنيت بالفقيه الحاكي عن الشافعي قالوا قد تبين لنا فساد ما كان اجاب به ولا حاجة بنا الى اشغال الزمان باعادته قلت فانا مجيبكم الى الكلام وسالك غير الطريقة الاولى في الجواب لعل ذلك ان يكون اسرع لزوال اللبس واقرب الى سكون النفس ان وجدت منكم مع الاستماع حسن انصاف قالوا نحن مستمعون لك غير جاحدين لحق يظهر في كلامك فقلت كان السؤال عن وجه العدل والحكمة في تعذيب الله عزوجل لمن مات وهو كافر بالعذاب الدائم الذي تقدير زمانه لا ينحصر وقد كان وقع من العبد كفره في مبلغ عمره المتناهي المنحصر والجواب عن ذلك ان العذاب المجازى به على المعصية كائنة ما كانت لا كلام بيننا في استحقاقه وإنما الكلام في اتصاله وانقطاعه فلا يخلو المعتبر في ذلك ان يكون هو الزمان الذي وقعت المعصية فيه ومقداره وتناهيه والمعصية في نفسها وعظمها من صغرها فلو كانت مدة هي المعتبرة وكان يجب تناهي العذاب لاجل تناهيها في نفسها لوجب ان يكون تقدير زمان العقاب عليها بحسبها وقدرها حتى لا يتجاوزها ولا يزيد عليها وهذا حكم يقضي الشاهد بخلافه ويجمع العقلاء على فساده فكم قد رأينا فيما بيننا معصية وقعت في مدة قصيرة كان المستحق من العقاب عليها يحتاج الى اضعاف تلك المدة وراينا معصيتين تماثل في القدر زمانهما واختلف زمان العقاب المستحق عليهما كعبد شتم سيده فاستحق من الادب على ذلك اضعاف ما يستحقه إذا شتم عبدا مثله وان كان زمان الشتمين متماثلا فالمستحق عليهما من الادب والعقاب يقع في زمان غير مماثل ولو لم يكن في هذا حجة إلا ما نشاهده من هجران الوالد اياما كثيرة لولده على فعل وقع في ساعة واحدة منه مع تصويب كافة العقلاء للوالد في فعله بل لو لم يكن فيه إلا جواز حبس السيد فيما بيننا لعبده زمانا طويلا على خطيئته وكذلك الامام العادل لمن يرى من رعيته لكان فيه كفاية في وضوح الدلالة وليس يدفع الشاهد الا مكابر معاند فعلم مما ذكرناه انه لا يعتبر فيما يستحق على المعصية بقدر زمانها ولا يجب ان يماثل وقت الجزاء عليها لوقتها ووجب ان يكون المرجع إليها نفسها فبعظمها يعظم المستحق عليها سواء طال الزمان أو قصر اتصل ام انقطع وجد فكان محققا أو عدم فكان مقدرا والحمد لله فلما سمع القوم مني هذا الكلام وتاملوا ما تضمنه من الافصاح والبيان وتمثيلي بالمتعارف من الشاهد والعيان لم يسعهم غير الاقرار للحق والاذعان والتسليم في جواب السؤال لما اوجبه الدليل والبرهان والحمد لله الموفق للصواب وصلواته على سيدنا محمد خاتم النبيين وآله الطاهرين (زيادة في المسألة) وقد احتج من نصر الجواب الثاني المنسوب الى الشافعي بقول الله تعالى * (ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه) * الانعام

--- [ 145 ]

Shafi 144