Nawa ne Shekarun Fushi?
كم عمر الغضب؟: هيكل وأزمة العقل العربي
Nau'ikan
وحين تثور العواصف ضد هيكل من صحفيين كانوا زملاء له، ثم اندمجوا في العهد الساداتي، يعلق على ذلك بأسف قائلا: «ليس بينهم من لم أقف معه في أحلك الظروف ولم أفعل كل ما في وسعي لمساعدته، ولولا أنني لا أريد أن أمن على أحد، لذكرتهم لك واحدا واحدا وبالاسم، ورويت ما قدمته لهم.»
6
إنه هنا يلخص الموقف كله: فهو يتصور أنه بمثل هذه الإشارات إلى الخدمات الشخصية التي أسداها يرد على نقاده، وينسى أن القضايا المثارة أخطر بكثير من منطق الخدمات والمساعدات الفردية، ويثبت أنه لا يختلف عن مهاجميه ممن خضعوا لمنطق الحكم المطلق، وعجزوا عن تفسير الظواهر العامة إلا من خلال سلوك الأفراد.
الفصل الخامس
التاريخ والحقيقة الضائعة
من سمات عهود القمع الفكري وكبت الرأي المعارض، أنها تنشئ أجيالا لا تعرف التاريخ إلا في صورة مشوهة، فحين تكون وجهات النظر المتباينة متاحة يستطيع العقل الناضج أن يكون صورة صحيحة عن أحداث التاريخ وتياراته، ويصدر أحكاما سليمة على السياسات التي تحكمت في صياغته، أما حين يسري الحظر الكامل على وجهات النظر التي تخالف موقف السلطة الحاكمة، فكيف نتوقع من أي جيل لم يتعرض إلا لوجهة النظر هذه، أن يفهم أحداث التاريخ ويصدر حكما صحيحا عليها؟
وأستطيع أن أقول إن الأجيال التي تقل أعمارها عن خمسة وأربعين عاما، وهي بالطبع تشكل الأغلبية في العالم العربي المعاصر، لا تعرف عن تاريخ ما قبل ثورة 1952م سوى معلومات غير موضوعية وغير منصفة، هذا بالطبع لا يمنع من أن يكون ثمة أفراد هنا وهناك، بذلوا جهودا مضنية في القراءة والاطلاع والبحث عن الحقائق من مصادرها الأصلية، بحيث لا يسري عليهم هذا الحكم، ولكن مثل هذه الجهود لا تتاح إلا للقلة القليلة، بحيث يمكن القول إن الجيل بوجه عام لم يعد يعرف ذلك التاريخ، إلا من خلال وجهة نظر معادية له، ومن ثم فقد حرصت كل الحرص على تشويهه.
كانت تجربة مصر مع الديمقراطية تجربة فريدة بحق، فمنذ القرن التاسع عشر كانت هناك مجالس نيابية، حاول حكام مصر في ذلك الحين، وهم أتراك أو أنصاف أتراك، أن يستغلوها لحسابهم، وجندوا بالفعل عددا من الأعوان والأذناب، ولكن كان هناك دائما من يتصدون للقهر والطغيان، وشهدت هذه المجالس مواقف مجيدة، كان نواب الشعب فيها يدافعون عن الدستور ضد سلطة الحاكم، ويؤكدون سيادة الشعب ويحمون حقوقه، كانت تجربة ديمقراطية مبكرة، سبقت نظيراتها في كثير من البلاد الأوروبية، وكانت شهادة بالغة الدلالة على أن الشعب يستطيع أن يجني من الديمقراطية مكاسب هامة، مهما كانت قوة التيارات التي تقف في وجه تطوره.
ولقد كانت هذه التيارات قوية بغير شك، فقد كان هناك القصر (الخديوي في البدء، ثم الملوك بعد ذلك)، وكان هناك الإنجليز، وكان هناك أعوان يستطيع الحكام شراءهم بالوعود والمصالح، ولم يكن الطريق بالتالي سهلا على الإطلاق، ومع ذلك فقد كان الشعب يؤكد حقوقه ويدافع عن حرياته في كل فرصة تتاح له.
وحين قامت ثورة 1919م في مصر، لم تكن الثورة التي عمت البلاد من أقصاها إلى أقصاها، والتي شاركت فيها الطبقات الدنيا والوسطى وكثير من شرائح الطبقة العليا، ولم تعرف تفرقة بين مسلم وقبطي في الكفاح من أجل الوطن؛ لم تكن هذه الثورة كفاحا ضد الأجنبي المحتل فحسب، بل كانت في الوقت ذاته جهادا من أجل تأكيد الديمقراطية والحقوق الدستورية للشعب، وكان من أبرز مظاهر النضج السياسي في ذلك الحين، وجود وعي كامل بأن الكفاح من أجل الاستقلال، والكفاح من أجل الديمقراطية لا ينفصلان.
Shafi da ba'a sani ba