بعد نفي نابليون إلى جزيرة ألبا رأت الدول أن تعيد عائلة البربون إلى فرنسا، فعادوا إليها وجلس على عرشها لويس الثامن عشر أخو لويس السادس عشر الذي من أجله قامت الثورة الفرنسية، والذي قتله الوطنيون في شوارع باريس. عاد هذا الملك إلى عرش فرنسا وعادت تلك العائلة ومبادئها الأولى.
لم يتعظ بما أصاب أخاه من قبل، بل آذن في البلاد بأن أملاك هذه العائلة يجب أن ترد إليها، وكان قد امتلك أكثرها كثيرون آمنين هادئين، فقام الشعب لذلك وقعد، فلما رأى الملك ذلك أراد أن يهدئه فأصدر قرارا ضمن لأمته به ثمانية امتيازات عدها هبة من لدنه، بيد أن هذا الشعب لم تهمه هذه الامتيازات ولم تكبر الملك في عينيه؛ لأنها كانت مقررة من قبل فلم تكن إلا من قبيل تحصيل الحاصل. تلك الامتيازات هي: المساواة أمام القانون - حق الدخول في الوظائف - وحدة الإدارات - حكومة دستورية - الضريبة لا تقرر إلا بالاقتراع - الحرية الشخصية - حرية العبادة - حرية المطبوعات. (27-8) البنفسج المتجسد
انتشرت في هذه الأثناء جنود نابليون متفرقة في بلدانهم وقراهم، وانتشرت فئات الجنود الأوربية الغرباء في مدنها، فتذمر الأولون وقالوا إن فرنسا لا تستطيع أن تطعم أولئك الجنود منها بلا عمل يؤدونه لها، ولا يصح أن يظلوا يأكلون وينامون بين العيون الساهرة من أبناء جلدتهم، وتذكر الناس بأفعال الملك الجديد مصايب العهد القديم، فانتشرت في فرنسا جميعها نبوة غريبة؛ ذلك أنهم قالوا إنه إذا جاء ربيع هذا العام ظهرت في البلاد زهرة بنفسج في صورة إنسان. فأخذ الناس يتوقعون ظهور هذا البنفسج الغريب، على أنه لم يكن الأمر إلا فتنة تدبر لم يحن أوان اشتعالها، فكانت مغطاة بأوراق ذلك الزهر اللطيف لفظا ومعنى؛ فقد اتضح أن النساء كن يتزين بهذا البنفسج، فإذا فتشت أوراقه ظهر من تحتها صورة الإمبراطور نابليون المحبوب.
قضى نابليون في جزيرة ألبا حوالي عشرة أشهر (من 3 مايو سنة 13 إلى 28 فبراير سنة 14) وكان حوله بعض عساكره الأقدمين فئة تستحب الموت في سبيل رضاه، وكان يصل إلى هؤلاء من أقاربهم في فرنسا ما ينبئهم بقرب اليوم المنشود، فكانوا يبلغون ذلك إلى نابليون، فاشتد تفكر نابليون بهذا الأمر وأخذ يدبر للأمر عدته. (27-9) مؤتمر ڤينا في سنتي 1814-1815
بعد نفي نابليون إلى ألبا أرسلت الدول مندوبيها إلى مدينة ڤينا لحضور مؤتمر ينظر في طريقة إعادة الأمن والنظام إلى نصابهما في أوربا، فقضوا لذلك أشهر الشتاء لم يفعلوا شيئا، بل المروي عنهم أنهم كانوا يقضون الليل في الرقص مع الحسان ومعاقرة بنت الحان ثم إذا جاء الصبح ذهبوا إلى حيث يتكلمون، وظلوا كذلك حتى جاءهم نبأ بأن نابليون قد عاد إلى فرنسا، فصرخوا في المكان صرخة مدهشة كادت توقع جدران ذلك المكان. (27-10) عودة نابليون إلى باريس مارس سنة 1815
في صباح يوم من أيام مارس سنة 1815 ركب نابليون زورقا قام به من جزيرة ألبا إلى ناحية بجوار بلدة (كان) على الشاطئ، وكان معه من رجاله الأقدمين ستمائة رجل وانضم إليهم أربعمائة من أهل بولانده وكورسيكا، فلما بلغ مدينة جرينوبل انضم إليه سبعمائة من جنود لويس الثامن عشر، وكان هذا الملك قد سمع بهروب نابليون فأرسل إليه المارشال (ناي) أحد قواد نابليون المشهورين «وأشجع الشجعان» كما كان يسميه نابليون نفسه. ذهب المارشال لملاقاة نابليون وأسره في قفص من الحديد كما وعد بذلك الحكومة الفرنسية، ولكنه إذ رأى وجه سيده المحبوب ورأى الجيش الذي معه يضطرب ويهز أجزاء السماء بدعائه
Vive l’empreur (يحيا الإمبراطور) لم يسعه إلا أن يردد الدعاء مع الجنود. وقصة هذا الدعاء أنه لما التقى نابليون بهؤلاء الجند وعلم أنهم إنما أتوا للقبض عليه وقف أمامهم على ظهر جواده ثم قال: «يا عساكر أسترليتز وأبطال أوربا، هل جئتم لتقبضوا على قائدكم؟!» قالوا جميعا بصوت المتحمس: «ليحي الإمبراطور!» ثم نادى عليهم نداءه المحبوب واجتمعوا وراءه في مشهد عظيم حتى بلغوا باريس في ليلة العشرين من شهر مارس، وكان الملك لويس قد غادرها قبل وصولهم بساعة.
هنالك بين صهيل الخيل وصلصلة السيوف ومجر العربات تقدم نابليون في عربة حتى وصل إلى قصر التوليري، فصعد إلى غرفة المطالعة، وهناك أخذ يباشر الأعمال كعادته كأنما كان في فسحة قصيرة ثم عاد إلى العمل. هنالك أخذ يشتغل ليل نهار بعزيمة لم يعرف لها حد، ولكن نابليون كان يستعد للزمان. أخذ نابليون يفحص ما جد بعده ويدقق البحث ثم وافق على القرار الذي أصدره لويس، ثم لم يدخر من وسعه شيئا ولم يضع من زمنه لحظة من غير عمل لتجهيز جيش جرار، فجمع حوله مائة وعشرين ألف جندي للحرب. (27-11) واقعة واترلو
قضى نابليون مائة يوم في باريس قبل أن تستطيع أوربا جمع شملها، وأخيرا حشدت أوربا مليونا من الجند لمقاتلة جنود نابليون.
فرأى نابليون أن ينقض على جيش بروسيا وإنجلترا في أراضي بلجيكا ثم يتوجه بعد ذلك لمقاتلة باقي الجيوش على شواطئ الرين، فسار بجيشه إلى (شارل روا) فالتقى بقائد الجيش البروسي، وما زال به حتى أجلاه عن مواقع القتال وانصرف إلى الجيش الإنجليزي فأصلاه نارا حامية حتى لم يبق من جيش ولنجتون إلا معدود اضطر أن يصفه أفرادا متباعدة جدا. وعند ساعة النصر لنابليون، بل عندما ابتدأت الهزيمة تقع في النهاية على رءوس الإنجليز، التفت نابليون فإذا جيش بلوتشر البروسي قد عاد من الوراء يعزز أفراد الجيش الإنجليزي، فعلم نابليون أن هزيمته محققة، وأنه لا شك مقهور، فترك ميدان القتال وركب مركبا إنجليزية، وعاد إلى باريس، وهناك أمضى وثيقة النزول عن الملك لابنه (ملك روما) في الثاني والعشرين من شهر يونية، ولكن جيش المتحدين أبى أن يقرها فألغاها، وأعاد لويس الثامن عشر إلى الملك في السابع عشر من شهر يولية. (27-12) التسليم
Shafi da ba'a sani ba