Kalma Akan Riyad Basha
كلمة على رياض باشا: وصفحة من تاريخ مصر الحديث تتضمن خلاصة حياته
Nau'ikan
وهذه هي أول مرة تقلد فيها رياض باشا رياسة الوزارة في 21 سبتمبر سنة 1879. وقد كتب الخديو إلى الفقيد الذي نحن مجتمعون الآن على قبره ما نصه:
عزيزي رياض باشا
إني لما أخذت أخيرا زمام رياسة مجلس النظار بيدي لم يخطر بفكري إعادة الحكومة الشخصية، وإنما كان ذلك بالنظر لاحتياجات الوقت مع الرغبة في تقريب وتأييد العلاقة المحكمة بيني وبين أعضاء هيئة النظار، ولم يخطر ببالي أن يكون ذلك أمرا قطعيا ولا أمرا مخالفا للأصول التي اتخذتها منذ أخذي بزمام الحكومة؛ أعني الحكم بالاشتراك مع نظاري وبواسطتهم، وهذه الأصول من مقتضى الأمر الصادر بتاريخ 28 أغسطس سنة 1878. ولا يتعلق لي أن لا تكون مرعية الإجراء على الدوام.
ولا يخفى على سعادتكم ما انطوى عليه ضميري في هذا الخصوص، كما لا يخفى عليكم أفكاري المتعلقة بأمر الاستقامة والتقدم والنظام والاقتصاد التي أتمنى نجاحها وانتشارها في إدارة المملكة، وإني لمتيقن أنكم مشتركون معنا في هذه الأفكار والتصورات، وأنكم عازمون عزما قويا على بذل مجهودكم في تنفيذ هذه الأفكار بالتمام، وإني لأعرف درجة إخلاصكم وحسن طويتكم بالنسبة لخدمة الوطن ومراعاة قوانينه ونظاماته مع رغبتكم في بذل المجهود بحفظ حقوقه؛ ولهذا فإني مع ثقتي وحسن يقيني فيكم أكلفكم بتشكيل هيئة نظارة جديدة وأحلت رياسة مجلس النظار على عهدتكم حافظا لنفسي حق الحضور في جلساته وتولي رياسته عند الاقتضاء، وإني لمتيقن أنكم ستعتنون كل الاعتناء في انتخاب رفقائكم النظار ثم ترفع أسماؤهم لدينا لأصدق على توظيفهم. وبعد أن تشكل هيئة النظارة تأخذ في الأشغال على مقتضى ما نص عليه في الأمر الصادر المؤرخ في 28 أغسطس سنة 1878 فإنه لا يزال مرعي الإجراء في جميع أحكامه التي لا يعتريها تغيير بأمرنا هذا. وإن المحافظين والمديرين ومأموري الضبطيات ووكلاء النظارات وكتاب أسرارها ومفتشي الأقاليم ومديري الإدارات المهمة لا يكون تنصيبهم ولا عزلهم إلا بعد المداولة فيه بمجلس النظار والتصديق عليه من لدنا، وأما باقي الموظفين فيكون تنصيبهم وعزلهم بمقتضى أوامر تصدر رأسا من نظارهم الذين هم تابعون لهم. ولا يخفى عليكم أننا في شاغل من المسائل المهمة وقد دعتني الحاجة إلى أن أذكركم من جملة تلك المسائل بأهمية ترتيب ميزانية الإيرادات والمصروفات السنوية بطريقة منتظمة وبالترتيب النهائي المختص بالتحصيل الذي هو شديد الارتباط بالميزانية وبتنظيم حالة المالية المتأخرة المتعلقة بها جميع المنافع المستدعية لحسن عنايتنا ومعظم هممنا وإني على يقين بأني أعتمد عليكم في حل هذه المسائل وما شاكلها من الأمور المهمة ولخبرتكم التامة وحبكم للوطن لا تهملون في شيء يعود على القطر بالإصلاح الحقيقي الذي هو متمنى الجميع ويجب على كل منا أن يبذل غاية جهده في تمهيد سبله.
وقد تقلد رياض باشا نظارة الداخلية أيضا. وما زال يتقلدها بعد ذلك، كلما دعاه صاحب الأمر لرياسة مجلس النظار. وفي بعض الأحايين كان يضم إليها نظارتي المالية والمعارف العمومية، منفردتين أو مجتمعتين معا. وما ذلك إلا أنه كان أكثر من غيره خبرة ودراية بحاجات القطر الداخلية. وهذه أعماله وحياته كلها شاهدة له بأنه الفلاح وابن الفلاح وأبو الفلاح.
نحن في مقام لا يكفي فيه الكلام بطريق الإبهام. بل ينبغي لمثلنا في حق مثله أن يؤيد القول بالبرهان. ولما كان عمله الجليل كبيرا ولا يسعنا الإسهاب في الإتيان عليه، رأيت أن أتوسط في الأمر وأشير بنهاية الإيجاز إلى بعض أياديه على بلاده وأهليه.
فرياض هو الذي قوى دعائم مجلس النظار وجعل له سلطة فعلية حقيقية في إدارة شئون البلاد. وبهذه الوسيلة توصل إلى خدمة الأمة، خدمة تحفظها له القلوب وسيتحدث بها التاريخ.
فأول عمل انصرفت إليه همته هو النظر بعين الحكمة إلى مصدر الثروة في مصر، وهي أرضها. فأبطل الإنعام بالأطيان، لأنها ملك الأمة ولا يجوز لأحد أن يتصرف فيها بالهبة. وقد أوقف تنفيذ الأوامر التي كانت صدرت بهذا المعنى، مما لم يكن قد دخل في حيز الفعل (23 شوال سنة 1296 / 9 أكتوبر سنة 1879).
واستصدر في سنة 1894 أمرا عاليا بأن أرباب المعاشات والباشبوزوق الذين أعطيت إليهم أطيان لتعيشهم على شرط إعادتها لجانب الحكومة عند وفاة من يتوفى منهم عن غير زوجة ولا أولاد يكون له ولورثته حقوق الملكية التامة في الأطيان المذكورة، ولو لم يدفع المقابلة عنها، وأن الأطيان المعطاة للعربان ولم تدفع عنها المقابلة تكون ملكا صريحا للمعطاة إليهم الأصليين أو لورثتهم.
وهو الذي وضع القواعد لبيع أملاك الميري للأهالي (سنة 1297 / 1880).
Shafi da ba'a sani ba