قال :(بسم الله الرحمن الرحيم) وجه البداية بالتسمية التأسي بقوله تعالى ?بسم الله الرحمن الرحيم * الحمد لله رب العالمين?[ الفاتحة ] وقوله :((كل أمر ذي بال لم يذكر اسم الله عليه فهو أبتر))(1) الخبر المشهور ومعنى ((ذي بال)) مقصود فعله ، لا أن لم يكن مقصودا كطرف العين ، والحركة اليسيرة. والإجماع فإنه لا خلاف بين المسلمين في شرعية البداية باسم الله تعالى ، والأنسب تقدير متعلق الظرف من جنس ما جعلت التسمية مبدأ له من القراءة والتأليف لدلالته على تلبس كل الشروع فيه ابتدائه وانتهائه بالتسمية ولذا قال تعالى ? إقرأ بسم ربك الذي خلق?[العلق 1] وقال :((باسمك (2)ربي وضعت جنبي ، وباسمك ربي أرفعه))(3) وقال :((باسمك أحيا ، وباسمك أموت)) (الحمد لله) الحمد هو الوصف بالجميل على الجميل الاختياري ، فالوصف إشارة إلى المحمود به ، وهو ما وقع به الحمد ، وبه تخرج سائر شعب الشكر من فعل الجنان والأركان ، وبالجميل يخرج الاستهزاء ، وعلى الجميل إشارة إلى المحمود عليه الباحث على الحمد ، والجميل أعم مما في نفس الأمر أو في نظر الحامد والمحمود ، فلا نقض بمدح السلاطين بما هو ظلم في الحقيقة ، والمراد من الاختياري هو الصادر بالاختيار ، وما وقع على غير الاختياري كحمد الله على صفاته الذاتية ، فلتنزيله منزلة الاختياري إما لاستقلال الذات فيه أي لما كان ذاته تعالى كافيا فيهاكانت بمنزلة الاختيارية التي يستقل بها فاعلها ، فأطلق الاختياري على ما يعمها تغليبا ، أو باعتبار كونها مبادئ أفعال اختيارية ، والجلالة اسم للذات الواجب الوجود المستجمع لصفات الكمال (1)ولذا لم يقل للخالق ، أو الرازق ، أو نحوه مما يوهم اختصاصه بوصف دون وصف ، وأردف التسمية بالحمد لله لنحو ما تقدم في التسمية واختار فيهما هذا اللفظ الشريف ، والترتيب اقتداءا بالكتاب العزيز لأنه فاتحته ، وخاتمة دعاء أهل الجنة ، وأبلغ صيغ الحمد ، فيتعين في بر من حلف ليحمدن الله بأجل المحامد ، وجمعا بين روايات الابتداء ، فإنه روي ببسم الله الرحمن الرحيم ، وبسم الله ، وبالحمد لله - برفع الحمد وجره - كما لا يخفى على المتأمل ، ولأن المناسب لمقام التعظيم التصريح بالحمد ، وحصره عليه تعالى ، ولا ينتقض ذلك بوجوب شكر المنعم من عباد الله تعالى لرجوع الحمد إلى الكمال ، حتى كأنه لا حمد إلا الكامل ، وهو حمد الله تعالى.
فإن قيل : ما افتتح ببسم الله غير مفتتح بالحمد لله والعكس ، فلا يمكن العمل بأحاديث الابتداء أجيب : بأن الافتتاح إما أمر عرفي يعتبر من حال الأخذ في التأليف إلى الشروع في البحث أو منقسم إلى حقيقي وإضافي فيمكن الجمع بتقديم أحدهما على الآخر ، فيكون الأول حقيقيا ، والآخر إضافيا. (على سوابغ نعمائه) إشعار بأنه حمد لله وشكر واجب وعليه قوله :((الحمد رأس الشكر ، ما شكر الله عبد لم يحمده)) (1).
فإن قيل : أداء حق الشكر يحصل بمجرد الحمد ولو في آخر الكتاب. أجيب : بأن الغرض الأصلي من الافتتاح بالحمد ربط الحاضر - الذي هو سوابغ النعماء - وجلب المزيد المشار إليه بقوله تعالى ? لئن شكرتم لأزيدنكم?[إبراهيم 7] ومنه (2)التأليف ، فتقديم الحمد على المجلوب - الذي هو التأليف أولى.
Shafi 6