ومما ينبغي التروي فيه ما جاء على نهج الإتباع؛ فإنه كثيرا ما لا يكون له حال الإفراد معنى قال النحاة: التأكيد اللفظي ضربان؛ أحدهما: يكون بإعادة اللفظ الأول بعينه نحو: جاءني زيد زيد، وثانيهما: يكون بإيراد موازنه مع اتفاقهما في الحرف الأخير نحو: حسن بسن، وهو ثلاثة أقسام:
أحدهما:
أن يكون للثاني معنى ظاهر نحو هنيئا مريئا.
وثانيهما:
أن يكون له معنى أصلا، ولكن ضم إلى الأول لتزيين الكلام لفظا وتقويته معنى، وإن لم يكن له في حال الإفراد معنى.
وثالثهما:
أن يكون معنى متكلف غير ظاهر، نحو: خبيث نبيث، فالنبيث يمكن أن يكون بمعنى: الذي ينبث أمور الناس؛ أي يستخرجها، من نبثت البئر إذا أخرجت نبيثتها، وهو ترابها، وكان قياسه أن يقال: خبيث نابث لكن قيل نبيث لموازنة خبيث.
ولاعتنائهم بتقارب اللفظين قلبوا واو بوص ياء؛ وذلك في قولهم: «وقعوا في حيص بيص.» قال بعض اللغويين: «الاتباع: هو أن تتبع الكلمة كلمة على وزنها أو رويها تأكيدا.»
وقد ألف ابن فارس فيه كتابا قال في أوله: «هذا كتاب «الاتباع والمزاوجة»، وكلاهما على وجهين؛ أحدهما: أن تكون كلمتان متواليتان على روي واحد، والوجه الآخر: أن يختلف الرويان. ثم تكون بعد ذلك على وجهين؛ أحدهما: أن تكون الكلمة الثانية ذات معنى معروف، والآخر: أن تكون الثانية غير واضحة المعنى ولا بينة الاشتقاق إلا أنها كالاتباع لما قبلها.» روي أن بعض العرب سئل عن هذا الاتباع فقال: «هو شيء نتد به كلامنا.»
ثم إن الكلمات التي لها معنى معروف قد تكون بمعنى ما قبلها، وقد يكون لها غير معناه، وقد كان بعض اللغويين لا يسمي بالاتباع إلا ما لا يكون له معنى إذا جيء به وحده، نحو: «نطشان» في قولك: «عطشان نطشان»، بخلاف قولهم: فلان «قسيم وسيم»؛ فإن «وسيم» قد جاء دون «قسيم»، يقال: رجل «وسيم» أي «جميل»، وامرأة «وسيمة»، والميسم: الحسن والجمال.
Shafi da ba'a sani ba