حقيقة التكليف
واشترطنا(1) فرض الطاعة في المريد كالقديم سبحانه تعالى ومن خلق، والنبي والامة، والامام والرعية، والسيد وعبده، والوالد وولده.
والمنعم على غيره بجميع ما تقوم به حياته وتكمل به مسرته، لانا نعلم أنه متى أراد أحد من ذكرناه ممن تلزمه طاعته شيئا سميت ارادته تكليفا، ولا يصح ذلك في من لا طاعة له كالاغنياء والفقراء، وانما اوجبت هذه القضية لوجوب امتثال مراد من ذكرناه وسقوط فرض الامتثال في من عداه.
واشترطنا المشقة، من حيث كانت ارادة ما فيه لذة كالاكل والشرب، أو ما لا لذة فيه ولا مشقة، لا تكون تكليفا بغير شبهة.
واشترطنا الابتداء، لانه لو أراد من تجب طاعته ما فيه مشقة قد تقدمت ارادة غيره له كالصدق والانصاف واجتناب الظلم والكذب وفعل الصلاة والزكاة واجتناب الزنا والربا لم يكن مكلفا ولا ارادته تكليفا من حيث كانت ارادة القديم سبحانه سابقة لارادته.
Shafi 34
والدليل على صحة هذا الحد انه متى تكاملت الشروط التى بيناها سمى المريد مكلفا وارادته تكليفا والمراد منه منه مكلفا.
وقد تجوز العلماء وأتباعهم فوصفوا المراد بأنه تك منفصل.
وما أراده القديم سبحانه من الخلق على ضربين: أحدهما طريق العلم به العقول [ثانيهما] طريق العلم به السمع.
والعقلى على ضربين: أحدهما العلم به من فعله تعالى في العاقل ابتداء فهو لذلك مضطر إلى العلم به.
صفحة [ثانيهما] طريق العلم به نظر المكلف في الادلة المنصوبة عليه.
(3) طريق به اخبار من ثبت صدقه بالبرهان أو بخطابه المعلوم اضافته اليه سبحانه.
وطريق العلم بكلامه سبحانه أحد أمرين لا ثالث لهما: أحدهما: أن يقترن الكلام المسموع بمعجز، كمخاطبة موسى من الشجرة واقتران ذلك بانقلاب العصا ثعبانا واليد بيضاء.
Shafi 35
الثانى: أن يخبر من ثبت صدقه في كلام مخصوص انه كلامه كاخبار.
وأخبار عيسى.
وخطاب حجة(1) من تامل ذلك وجده صحيحا وما لا يوجب العلم لا يكون طريقا إلى خطاب التكليف المتعلق بالمصالح التى لا يعلمها الا علام الغيوب..
(2) في بيان التكليف الضرورى، هذا التكليف على ضربين واجب ومندوب.
والواجب على ضربين: أفعال وتروك، والمندوب اليه كذلك.
فالافعال الواجبة والانصاف وشكر المنعم ورد الوديعة وقضاء الدين والتحرز من المضار.
والتروك الواجبه الكذب والظلم والخطر والاستفساد والاغراء وتكليف ما لا يطاق وارادة القبيح.
وقلنا ان العلم بوجوب تلك الافعال وقبح هذه التروك ضرورى من فعله تعالى لحصوله ابتداء لكل عاقل على وجه لا يمكنه دفعه ولا ادخال شبهة عليه، ولو كان مكتسبا من فعل العالم بمعلومه لجاز خلو بعض زمان التكليف بل كله منه، واختصاصه ببعض العقلاء، وصحة الخروج عنه مع كمال العقل كسائر العلوم المكتسبة، والمعلوم خلاف ذلك.
وجهة وجوب الافعال كونها صدقا وانصافا وشكر النعمة، وجهة قبح التروك كونها ظلما وكذبا، لان كل من علم انصافا وصدقا وشكر النعمة ورد الوديعة علم بوجوبها وكل من علم ظلما وكذبا وخطرا واستقباحا علم قبحها ولو كان
Shafi 36
لوجوب(1) الافعال وقبح التروك. (2)
ولا يجوز تعلق وجوب أفعاله وقبح تروكه بغير ما هى عليه لان ذلك يقتضي تقدم عليه(3)
وقد علمنا أنه لا تكليف قبله فثبت أن الوجه في وجوب اجتناب تروكه ما هو عليه في نفسه.
فاما الافعال واجب. (4)
تعين فرضها فالمكلف مندوب إلى العزم عليها متى تعينت.
وجميعها يصح خلو العاقل من تكليفها عند كمال عقله وفى ما يليه من الازمنة إلا التحرز من الضرر بفعل النظر الموصل إلى المعرفة الواجبة على كل عاقل في كل حال على ما نبينه ان شاء الله.
واما التروك فواجب على كل عاقل اجتنابها في كل حال ذكر للوجه الذى له قبحت فلا يصح خلو عاقل من وجوب اجتنابها.
والمندوب إلى فعله الاحسان والحلم والوقار والجود والعفة وحسن السمت وحسن الصحبة والجوار ولين الكلمة والجانب والامر بالحسن والنهى عن القبيح وأمثال ذلك.
والتروك المكروهة في مقابلة هذه الافعال المندوبة اليها بالعكس، ووجه حسن فعل هذه الافعال واجتناب هذه التروك كونه احسانا وحلما لان كل من علم ذلك علم حسنه والترغيب فيه..(5) في بيان التكليف المكتسب. (6)
العقلية شيئان: توحيد
Shafi 37
وعدل، والتوحيد ينقسم. (1)
فالاثبات اثبات صانع العالم سبحانه قادر. (2)
حيا مريدا بارادة يفعلها.. (3)
الصفات لتصح معرفته سبحانه بصفاته ونفى التشبيه عنه ليصح كونه قديما ونفى الحاجة عنه ليعلم كونه غنيا ونفى الادراك له بشيء من الحواس انتج(4) نفى التشبيه عنه تعالى، وأنه لا ثاني له في القدم والصفات المذكورة لكل المعرفة بالتوحيد.
والعدل تنزيه أفعاله سبحانه وما يتعلق بها من التكاليف والمباحات عن القبيح.
والواجب من هذا التكليف العلم وطريقه لوقوفه عليه، وجهة وجوبه كونه شرطا في العلم بالثواب والعقاب وشكر المنعم الذي لا يصحان ولما يعلم المنعم المثيب المعاقب، وهذا التكليف لا ينفك منه عاقل، ونحن نبين وجوب العلم بهذا التكليف وجهة وجوبه والسبب الموصل اليه والادلة المنصوبة عليه مجملا ومفصلا.
فاما الدلالة على وجوب المعرفة بالتوحيد والعدل فهى أن كل حي عند كمال عقله يجد عليه آثار نفع من كونه حيا سميعا بصيرا عاقلا مميزا قادرا متكلما مدركا للمدركات منتفعا بها يجوز أن يكون ذلك نعمة لمنعم، ويعلم أنه إن كان ذلك نعمة فهى أعظم من كل نعمة لانغمارها في جنبها، وكونها فرعا لها واستحالة انفرادها منها، ويعلم وجوب شكر المنعم واستحقاق المدح به والذم على الاخلال بواجبه، ويجوز أن يكون له صانع صنعه وفعل النفع به محسنا اليه به تعريضا للثواب على شكره ومعاقبا على الاخلال بحمده ويجد في عقله وجوب.
Shafi 38
المظنون والمعلوم وحسن طلب النفع المعلوم والمظنون.
من يعلم نفعا هو المدح.
ويظن ضررا هو العقاب فوجب لذلك عليه معرفة من خلقه وخلق النفع له ليعلم قصده فيشكره ان كان منعما فيحوز عظيم النفع من المدح والثواب وينجو من عظيم الضرر بالذم والعقاب، ولا سبيل إلى معرفته إلا بالنظر في آثار صنعته [صنعه خ] لوقوعها بحسبه، لعلمنا بأن من نظر في تنقل الاجسام علم حدوثها دون غيره، ومن نظر في برهان الصفات النفسية علم ثبوتها وكيفية استحقاقها دون غيرها.
ومن نظر في برهان النبوة علم صحتها دون الامامة، وان العلم يكثر بكثرة النظر ويقل بقلته، ويرتفع من دونه، فلو كان للمعارف(1) سبب غير النظر لجاز أن ينظر العاقل في برهان حدوث الاجسام فيعلم النبوة، وينظر في برهان النبوة فيعلم الامامة، ويحصل جميع المعارف للعامي المتشاغل بالتكسب المعرض عن النظر، ولا يحصل شيء منها للعاقل الناظر في الادلة الموفي النظر حقه، والمعلوم خلاف ذلك، فاذا وجبت المعرفة للوجه الذي ذكرناه ولم يكن لها سبب الا النظر وجب كونه أول الافعال الواجبة لعموم العلم لكل عاقل بوجوب مالا يتم الواجب الا به.
وجه وجوب النظر كونه تحرزا من ضرر لو لا فعله لم يأمن العاقل نزوله به من الذم والعقاب.
وجه وجوب.
شرطا في شكر النعمة التي يستحيل معرفتها من.
بالمنعم سبحانه واول منظور فيه الجواهر والاجناس..
[الدليل] على حدوث الجواهر انها لو كانت قديمة لوجب أن يختص فما لم يزل بجهته، لوجوب حاجتها في الوجود إلى جهة، وذلك الاختصاص لايكون إلا لانفسها أو لمقتض قديم اذ كان اسناد حكم فيما لم يزل إلى مؤثر
Shafi 39
متجدد محالا، واختصاص الجواهر بالجهات لانفسها أو لمقتض قديم محال، لان ذلك يقتضي استحالة خروجها عنها، لان الحكم المسند إلى النفس أو إلى مقتض قديم لا يجوز بطلانه، لاستحالة بطلان موجبه، وفي علمنا بصحة تنقلها في(1) الجهات دليل على أنها لم يختصها لانفسها ولا لمقتض قديم.
وأيضا فان اختصاصها لاحد الامرين يقتضي كونها باسرها في جهة واحدة لتماثلها ووجوب المشاركة في صفة النفس وما وجب عنها من الحكم ان كان ذلك للنفس، وان كان لمعنى قديم فكذلك، لكون القديم مثلا للقديم ومشاركا له في كل ما جاز عليه ووجب له واستحال عليه، وفي علمنا باستحالة ذلك دليل على انها لم يختص الجهات لانفسها ولا لمقتض قديم وذلك يحيل وجودها فيما لم يزل ويقتضي تجددها بعد عدم، وهذا هو معنى القول بحدوثها.
واذا ثبت أن الجواهر محدثة ثبت حدوث ما حلها من الاعراض لاستحالة انفرادها منها، وما يستحيل وجوده من دون وجود الحوادث يجب أن يكون محدثا، وهي على ضربين: ضرب يصح تعلقه بالمحدث وهو الاعتقادات والظنون والنظر والارادات والكراهات والاعتماد والاصوات والالوان(2) والتأليف والالام المتولدة عن.
وضرب يستحيل تعلقه بالمحدث وهي الحياة والقدرة والشهوة والنفور بالمحدثين والعلوم الضرورية والحرارة والبرودة.
والالام المبتدئة.
وقلنا بتعذر جنس الجواهر وهذه الاجناس من الاعراض على كل محدث لتوفر دواعيه إلى شيء منها وخلوها من الصوارف [الطوارق خ] وتعذرها
Shafi 40
لا لوجه يعقل، وكل شيء تعذر لا لمانع معقول فانها تعذر للاستحالة، واذا ثبت خلاف هذه الاجناس وتعذرها على كل محدث، ثبت أن لها محدثا ليس بمحدث.
وقلنا ذلك لانا قد علمنا أن هاهنا حوادث كالكتابة والبناء وعلمنا أن لها محدثا هو من تعلقت به، بدليل وقوعها بحسب أحواله من قصوده وعلومه وقدره واستحقاقه المدح على حسنها والذم على قبيحها، وعلمنا انها انما احتاجت اليه في حدوثها دون عدمها وبقائها لاستغنائها في حالتي العدم والبقاء عن مؤثر لصفتي العدم والبقاء، فيجب الحكم بحاجة كل محدث في حدوثه إلى محدث.
وقد ثبت حدوث الجواهر والاجناس المخصوصة من الاعراض وتعذرها على المحدثين، فيجب أن يكون لها محدثا مخالفا لها.
ووقوع هذه التأثيرات من جهته سبحانه يقتضي كونه قادرا لحصول العلم بكون من صح منه الفعل على صفة ليست حاصلة لمن تعذر عليه من كان عليها وجب وصفه بقادر.
ووقوع الفعل مقتض للصحة وزيادة وحدوثها بحكمة(1) كالانسان والفرس والبقر والفيل يقتضي كونه سبحانه عالما لافتقار صفة الاحكام إلى حال زائدة على كون القادر قادرا لتعذره على أكثر القادرين، ومن كان عليها وجب وصفه بكونه عالما.
وكونه تعالى قادرا عالما يقتضي كونه حيا موجودا بدليل تعلق المقدورات والمعلومات وصحة وقوعها من جهة واستحالة ذلك من معدوم أو موجود ليس بحي.
Shafi 41
واحداثه سبحانه ما يتعذر على كل محدث دليل على كونه قديما، اذ لو كان سبحانه محدثا لتعذر عليه ما يتعذر على المحدث.
وهذه الصفات نفسية لوجوبها له وثبوت صفة الجواز في صفات المعاني والفاعل، لان(1) طريق اثبات المعاني وصفات الفاعل متعذرة في صفاته تعالى فثبت أنها للنفس.
ومعنى ذلك أنه تعالى قادر عالم حى قديم لما هو عليه سبحانه، لا معنى هو غيره كسواد الجسم ولا بصفة بالفاعل ككون الصوت أمرا أو خبرا.
واذا ثبت كونه تعالى قديما وان صفاته نفسية، ثبت استحقاقه لها فيما لم يزل، واستحالة خروجه عنها، من حيث اقتضى قدمه وجوده في كل حال ماضية ومستقبلة، وثبوت الصفة المستندة إلى النفس في جميع احوال وجود الموصوف بها، لكونها مقتضاة عماهو عليه واستحالة وجود المقتضى وانتفاء مقتضاه.
وكونه تعالى حيا لا آفة به يقتضي وصفه سبحانه بسميع بصير، ويوجب اثباته مدركا متى وجدت المدركات، بدليل وصف الحي الذي لا آفة به بسميع وبصير، ووجوب حصول حكم الادارك متى وجد المدرك وارتفعت الموانع.
ووقوع أفعاله تعالى على وجه دون وجه وفي حال دون حال دليل على انه سبحانه مريد، لعلمنا بافتقار ذلك إلى أمر زائد على كون الحى قادرا عالما لانه قد يقدر على اشياء، ويعلم أشياء كثيرة، ويؤثر ايجاد بعضها دون بعض، وفي حال دون اخرى، وعلى وجه دون وجه، كالقادر على التجارة والكتابة والعالم بضروبهما قد يؤثر الكتابة مرة، والتجارة اخرى، ويقصد إلى نوع من احديهما دون نوع، وفي حال دون حال، مع تساوي الكل في كونه مقدورا معلوما له، فاقتضى ذلك ثبوت صفة له زائدة على كونه قادرا عالما، تلك الصفة
Shafi 42
هي كونه مريدا.
وارادته تعالى فعله(1) لان كونه مريدا لنفسه أو لمعنى قديم يقتضي قدم المرادات، أو كونه عازما، وكلا الامرين مستحيل.
وكونها من فعل قديم غيره فاسد بما نذكره من فساد اثبات قديم ثان.
والحدوث (كذا)(2) لا يقدر على فعل الارادة لغيره، لانها لا يقع الا مبتدءا، وابتداء الفعل بالقدرة في غير محلها محال.
وهي موجودة لا في محل، لان حلولها فيه تعالى لا يجوز، لان المحل لا يكون الا متحيزا وقد دللنا على حدوث المتحيزات وقدمه سبحانه، ولا يجوز حلولها في غيره من حي ولا جماد، لان حلولها في الجماد مستحيل من حيث كانت مما يوجب حالا لحى، وحلولها في حى يوجب رجوع حكمها اليه دونه تعالى، لان المحل بحكم ما حله أولى ، فثبت وجودها لا في محل، ولوجودها على هذا الوجه الذي له، انقطعت عن(3) كل حى ما أوجب(4) اختصاصها(5) به تعالى.
ولا يعجب من هذا ذو فطنة بهذا العلم، لانه اذا ثبت كونه تعالى مريدا وفسد أن يكون مريدا لنفسه أو لمعنى قديم ثبت انه مريد بارادة يستحيل أن تحله أو تحل غيره، اقتضى ذلك وجودها لا في محل، وزال التعجب مما اقتضاه البرهان.
ولا صفة له سبحانه زائدة على ما اثبتناه، من حيث كان طريق اثباته تعالى
Shafi 43
الفعل، فيجب أن يقف اثبات صفاته على صفات الفعل، وليس الفعل (للفعل ظ) الا ثلاث صفات: مجرد ووجوده وهو دال على كون فاعله قادرا، واحكامه وهو دال على كون محكمه عالما، وترتبه على الوجوه وفي الاحوال وهو دال على أن مرتبه مريد، واثبات صفة لا يدل عليها الفعل بنفسه ولا بواسطة محال، ولانه لا حكم لصفة زائدة، واثبات ما لا حكم له كنفيه، واثبات ما لا فرق في اثباته ونفيه جهالة.
ان قيل: فقد أثبت له تعالى صفات زائدة على كونه تعالى قادرا عالما مريدا فما وجهها؟ قيل: لم نثبت الا ما له تعلق بهذه الصفات، أما كونه تعالى حيا موجودا فلثبوت كونه قادرا عالما لاستحالة ثبوت حال القادر العالم لمن ليس بحى موجود.
وأما كونه مدركا سميعا بصيرا فمن أحكام كونه حيا.
وكون هذه الصفات نفسية(1) في استحقاقها وليس بأمر زائد على ثبوتها.
وثبوت كونه تعالى قديما مقتض لكونه سبحانه غنيا تستحيل عليه الحاجة لان الحاحة لا تكون الا لاجتلاب نفع أو دفع ضرر من حيث علمنا استحالة الحاجة على من يستحيل عليه الضرر والنفع كالموات والجماد.
والنفع والضرر لا يجوزان إلا على من يلذ ويألم لان الحى انما ينتفع بما يلذبه أو يسر له ويستضر بما يألم به أو يغتم لاجله، واللذة والالم لا يجوزان الا على ذي شهوة ونفور اذ معنى ملتذ أنه أدرك ما يشتهيه، ومعنى الم أنه أدرك ما ينفر عنه، ومعنى مسرور أنه اعتقد او ظن وصول نفع اليه أو إلى من يجري مجراه واندفاع ضرر، ومعنى مغتم أنه اعتقد أو ظن وصول ضرر اليه أو إلى من يجري مجراه أو فوت نفع، فعاد معنى السرور والغم إلى النفع والضرر.
اذا تقرر هذا وكانت الشهوة والنفار معانى تفتقر إلى محل استحال تخصيصها
Shafi 44
به تعالى، لاستحالة كونه سبحانه محلا للاعراض، ولانه لا دليل من جهة الفعل (كذا) إلى اثباته تعالى مشتهيا ولا نافرا، واذا استحال عليه تعالى الشهوة والنفور استحال عليه اللذة والالم [واذا استحال عليه اللذة والالم(1)] استحال الضرر والنفع، واذا استحال الضرر والنفع، استحالت عليه تعالى الحاجة، واستحالتها يقتضي كونه غنيا.
وثبوت قدمه وحدوث الجواهر والاعراض يحيل كونه تعالى مشتهيا لشيء من الجنسين، لان ذلك يقتضي حدوثه أو قدمهما، وكلا الامرين محال.
وكونه تعالى لا يشبه شيئا يحيل ادراكه سبحانه بشيء من الحواس لاختصاص الادراك المعقول بالجواهر وأجناس من الاعراض، وليس هو من الجنسين، فاستحال ادراكه تعالى.
ولانه لو كان مما يصح أن يدرك بشيء من الحواس لوجب أن ندركه(2) الان لانا عى الصفة التي معها يجب أن يدرك كلما يصح ادراكه بشرط ارتفاع الموانع، وهو سبحانه موجود والموانع مستحيلة عليه لانها اللطافة والرقة وتفاوت البعد والقرب والحجاب والكون في غير جهة المقابلة، وذلك اجمع من صفات المتحيزات، وقد دللنا على كونه سبحانه بخلافها، فلو كان مما يصح أن يدرك لادركناه الان، ولو أدركناه لعلمناه ضرورة من حيث كان العلم بالمدرك من كمال العقل، وفي عدم العلم به سبحانه ضرورة دليل على عدم ادراكه [وعدم ادراكه](3) مع وجوبه لو كان ممن يدرك تعالى دليل على استحالة الادراك عليه.
Shafi 45
وثبوت كونه تعالى لا يشبه شيئا يحيل عليه التنقل والاختصاص بالحياة(1) والمجاورة لان ذلك من أحكام المتحيزات وليس بمتحيز.
ويحيل عليه سبحانه الحلول وايجاب الاحوال والاحكام، لان ذلك من خواص الاعراض، فيسقط لذلك مذاهب الثنوية والمجوس والصابئين وعباد الاصنام والمنجمين والنصارى والغلاة، لاثبات هؤلاء أجمع الهية الاجسام أو كونها مؤثرة ما يستحيل من الجسم تأثيره على ما سلف بيانه.
وكونه تعالى بهذه الصفات يقتضي تفرده سبحانه بها ويحيل الاثبات ثان له فيها من حيث لو كان هناك قديم ثان لوجب أن يستحق جميع ما بيناه استحقاق فاعل العالم له من الصفات الواجبة والجائزة اثباتا ونفيا فيؤدي ذلك إلى اثبات ذاتين لا حكم لهما يزيد على حكم الذات الواحدة واثبات ذلك محال، فثبت أنه سبحانه واحد لا ثاني له.
وقلنا ذلك لان القدماء لو كانوا مائة فما زاد لم تزد حالهم عليه لو كان واحدا، ولا يميز فعلهم من فعل قديم واحد، من حيث كان كل ما تصح اضافته إلى هذا العدد تصح اضافته إلى القديم الواحد سبحانه، فصار اثبات ما زاد على واحد لا حكم له، ولا سبيل إلى تميزه، ولا فرق بين اثباته ونفيه، وما هذه حاله لا يصح اثباته، لكون ذلك تجاهلا ومفضيا إلى كل جهالة فثبت أن صانع العالم سبحانه واحد لا ثاني له.
وأيضا فلا دليل من جهة العقل على اثبات قديم ثان وقد ورد السمع المقطوع على اضافته إلى القديم سبحانه بنفي ثان له تعالى وهو ما لا يجوز عليه سبحانه الكذب فوجب لذلك القطع على كونه واحدا، ودلالة السمع على التوحيد آكد من دلالة العقول لاحتمال جميعها لدخول الشبهة المشكلة في التوحيد وبعد ذلك برهان المسع.
Shafi 46
فصل في مسائل العدل(1)
معنى قولنا: انه تعالى عادل هو أنه لا يخل(2) بواجب في حكمته ولا يفعل قبيحا، بالبرهان كونه تعالى عالما لا يجهل شيئا وغنيا لا يحتاج إلى شيء ثبت كونه عادلا من حيث كان وقوع القبيح لا يصح الا لجهل به أو لسهو عنه أو حاجة اليه، وكل ذلك مستحيل فيه تعالى، فيجب القطع على كونه عادلا والحكم بجميع أفعاله وما يتعلق بها بالحسن.
وهذا القدر كاف في تنزيهه سبحانه عن القبيح على جهة الجملة، وان فقدنا العلم بوجه الحسن في كل منها على جهة التفصيل، غير أنا نسلك منهج السلف رضي الله عنهم في بيان وجه الحكمة في جميع ما فعله سبحانه وأمر به وأباحه على جهة التفصيل لتكمل الفائدة وتسقط الشبهة في ذلك من كل وجه.
فأول ذلك اثبات العقل طريقا إلى العلم بوجوب واجبات وقبح قبائح وجبت وقبحت لما هي عليه ليكون الكلام في العدل وفساد الجبر مبنيا على ذلك وقد سلف بيان ذلك وأوضحنا أن العلم بوجوب الصدق والانصاف وسائر الواجبات الاولة وقبح الظلم والكذب وسائر القبائح الاولة ضروري من أوائل العقول لا تعلق للعبد به، وأنه انما وجبت الافعال لكونها صدقا وانصافا وقبحت التروك لكونها ظلما وكذبا فأغنى عن اعادتها ههنا.
واذا ثبت ذلك وجب اثباته سبحانه قادرا على القبيح ليصح تنزيهه عنه، والدالة على ذلك ثبوت كونه تعالى قادرا لنفسه، وذلك يقتضي كونه سبحانه
Shafi 47
قادرا على كل ما يصح كونه مقدورا، والقبيح من جملة المقدورات بغير شبهة فيجب أن يكون قادرا عليه.
وايضا فان صفة القبح وجه للفعل كالحسن(1) وليس بجنس فيجب لكونه تعالى قادرا على سائر الاجناس أن يكون قادرا على وجوهها التي يحدث عليها.
ومنع النظام(2) من كونه تعالى قادرا على القبيح لما يؤدي اليه من الجهل أو الحاجة المستحيلين عليه سبحانه أو انقلاب دلالة القبيح.
وذلك فاسد كاشف عن جهله بكون القديم سبحانه قادرا لنفسه، اذ لو علم ذلك وكونه مقتضيا للقدرة على كل ما يصح كونه مقدورا مع علمه بكون القبيح مقدورا للعباد لم ينف كونه تعالى قادرا على القبيح.
وكذلك لو علم ان من حق القادر على الشيء أن يكون قادرا على جنس ضده مع علمه بأنه قادر على الحسن(3) لم ينف كونه قادرا على القبيح، جنسا كان القبح(4) أووجها.
وهذا يدل على بالتوحيد والعدل.
فأما شبهته فمبنية على فرض وقوع القبيح، وذلك بناء فاسد، لانه سبحانه لا يفعل شيئا الا لداع مقصود، لاستحالة السهو والعبث عليه، ولا داع إلى القبيح الا الحاجة وهي مستحيلة فيه سبحانه، فلم يبق له داع اليه فاستحال منه فعله وان كان قادرا عليه، وسقط لذلك تقدير النظام.
Shafi 48
وهو سبحانه لا يفعل القبيح لما قدمناه من علمه بقبحه وبأنه غنى عنه لان صفة القبح صارف قوى فلا يصح أن يفعله الا من جهل ثبوتها أو دعته الحاجة إلى الفعل او الترك لينفي الصارف بالجهل أو يقابل داعي الحاجة لصارف القبح.
وكونه تعالى لا يفعل القبيح مقتضيا أن لا يريده، من حيث لو أراده لم يرده الا بارادة يفعلها على ما سلف بيانه، وارادة القبيح قبيحة، لان كل من علمها ارادة لقبيح علم قبحها، وذلك مقتض لكونه تعالى فاعلا للقبيح وقد بينا فساده(1) فثبت أنه لا يريد القبيح، وإذا ثبت أنه سبحانه لا يريد القبيح ثبت أنه كاره له، لانه لا يجوز أن يخلوا ما كلفه تعالى من الارادة والكراهة.
وكذلك وجب كونه تعالى مريدا لما فعله وكلفه، لاستحالة فعله ما لا غرض فيه، وتكليف ما لا يريده ولا يكرهه، فما علمناه مرادا له سبحانه حكمنا بحسنه فان علمناه كارها للاخلال به وجب الحكم بوجوبه، وما علمناه مكروها له حكمنا بقبحه ووجوب اجتنابه.
وكونه تعالى مكلفا فعل المثلين والمختلفين والضدين واجتناب ما له هذا الحكم موجب اقدار المكلف على ذلك قبل وقوعه ومزيحا لعلته بالتمكين منه والعلم به واللطف فيه، وكون ذلك شاقا مقتض لكونه وصلة إلى ما لا يحسن الابتداء به من النفع، لان خلاف ذلك ينقض كونه سبحانه عادلا.
ويحسن توضيح برهان ما اجملناه مفصلا: أما برهان كون المكلف قادرا فهو أنا نعلم تعلق التأثيرات به ووقوعها من جهته وذلك مقتض لكونها من فعله على ما نبينه، وكونه فاعلا فرع لكونه قادرا لاستحالة النظر ليس بقادر.
Shafi 49
ولانا نعلم حيا يصح منه التصرف في الجهات وحمل الثقيل وحيا لا يصح منه ذلك فيجب أن يكون من صح منه الفعل على صفة ليست حاصلة لمن تعذر عليه لو لا ثبوتها له وانتفاؤها عن الاخر لصح الفعل منهما معا أو تعذر عليهما ومن كان على تلك الصفة سماه أهل اللغة العربية قادرا، وقلنا انه فاعل لعلمنا بوجوب وقوع التأثيرات المتعلقة بحسب أحواله من قصوده وعلومه وقدره(1) ولو كانت فعلا لغيره لجاز أن يقصد الذهاب يمنة فيقع يسرة، ويقصد إلى الكتابة فيقع البناء، ويقع الكتابة من الامى ويتعذر على القادر العالم بها، ويصح حمل الثقيل في الضعيف ويتعذر الخفيف على الايد القوى، والمعلوم خلاف ذلك.
وأيضا فمن المعلوم توجه المدح والتعظيم إلى من تعلق به التأثير الحسن، والذم والاستخفاف إلى من تعلق به التأثير القبيح، والذم والاستخفاف والمدح والتعظيم توابع لحدوث الفعل على وجه الحسن أو القبح(2) فيجب تعلق صفتى الحسن والقبح(3) بمحدث الحسن والقبيح(4) لاستحالة تعلقهما بغيره.
ولانا نعلم قبح مدحه او ذمه على خلقه وهيأته، فلو كان حكم التأثيرات حكمها لقبح مدحه وذمه على شيء منها كقبحه على صورة وبناء(5)، واختلاف(6) الحال دليل واضح على تعلق التأثيرات بقدوره(7) وتعلق خلقه بالقديم سبحانه.
Shafi 50
ومتى علمنا قادرا في الشاهد علمنا(1) تعلقه بالمتماثلات من مقدورات العباد كالاكوان في الجهة الواحدة والارادة والكراهات والعلوم المتعلق كل منها بمتعلق واحد في وقت واحد على وجه واحد، وبالمختلفات كالعلم والارادة والعلوم المتعلقة بمعلومات مختلفة والارادات المتعلقة بمرادات متغايرة أو مراد على وجوه مختلفة وبالضدين كاكوان في الجهات والعلوم وما يضاد كل واحد منها من الجهل والظن والارادات وما يضادها من الكراهات(2)، فلا يخلو أن يكون ذلك لان كل قدرة توجب هذا التعلق أو لان لكل متعلق قدرة تخصه، والثاني باطل لانه يؤدى إلى وجوب عدة قادرين تصح منهم الارادة دون الكراهة، والجهل دون العلم، والكون في جهة دون جهة، والمعلوم فساد ذلك، فثبت ايجاب كل قدرة حال التعلق بالامثال والمختلفات والاضداد، وتعلق القادر بالضدين يوجب تقدم كونه قادرا لكونه فاعلا لان القدرة لووجب مصاحبتها للفعل مع تعلقها بالضدين لاقتضى ذلك وجود الضدين مع استحالته.
وأيضا فان حاجة المقدور إلى القدرة ليخرج بها من العدم إلى الوجود، فيجب متى وجد أن يستغنى عنها كاستغنائه في حال البقاء، وذلك يوجب تقدم القدرة عليه في الوجود، وتأثير القدرة ايجاب حال الحى(3) لها يصح منه الفعل، لانها متى وجدت اوجبت هذه الحال، وتأثير القادر يختص بالاحداث لان صفتى العدم والبقاء غير متعلق بقادر، فلو لم يختص تأثيره بالاحداث لم يكن بين الفعل والفاعل تعلق.
وأما برهان تمكينه مما كلف فحكمة مكلفه سبحانه تقتضى تمكينه بصحة
Shafi 51
البينة فيما يحتاج من التكاليف اليها كاليد والرجل واللسان والاذن، واقداره على تحصيل ما يحتاج الفعل اليه من الالات كالسيف والقوس، وتبقيته إلى أن يؤدى أو يمضى من الزمان ما يصح فيه الاداء كالحج، أو تكميل العلم كالمعارف، وفعل العلم فيه بحيث(1) لا مصلحة بكون العلم مكتسبا كالعلم الاول بوجوب الصدق والانصاف وقبح الكذب والظلم، وتكليفه تحصيل العلم بما لا يقوم فعله سبحانه فيه مقام اكتسابه في التوحيد والعدل، واقداره على فعل السبب المولد له وهو النظر، وتبقيته الزمان الذى يصح فيه اكتساب العلوم، ووقوف تكليفه على كونه مخيرا غير ممنوع ولا ملجأ، واستصلاحه بما يدعوه إلى الحسن ويصرفه عن القبيح من غنى أو فقر أو سقم، وبيان ما له هذا الحكم من فعله كالرئاسة بالنبوة أو الامامة والشرائع، لان تكليفه من دون التمكين تكليف ما لا يطاق، ومن دون اللطف قبيح، من حيث كانت علة المكلف غير مزاحة، وقبح منعه كمنع التمكين.
يوضح ذلك أن من صنع طعاما لقوم يريد حضورهم احسانا اليهم فعلم أو ظن أنهم لا يأتون الا برسوله فلم يرسل اليهم مع اقامته على ارادة الحضور يستحق الذم كما لو أغلق الباب من دونهم، فاذا كان القديم سبحانه مريدا بالتكليف نفع المكلف وعلم سبحانه أنه لا يختاره الا ان يفعل فعلا أو يفعل هو فعلا وجب عليه أن يفعل سبحانه ما يختص به ويبين للمكلف ما يختص بمقدوره كما يجب في حق التكليف تمكين المكلف، لثبوت صفة القبح في منع اللطف كثبوتها مع منع التمكين.
وبرهان حسن التكليف كونه تعريضا لنفع لا يحسن الابتداء به، والتعريض
Shafi 52
للنفع في حكم ايصاله، فماله حسن أحدهما يجب أن يحسن له الاخر ألا ترى أنه كما يحسن منا ابتداء الغير بالنفع فكذلك تعريضه له، وكما يحسن منا نفع أنفسنا فكذلك التعريض له بضروب المشاق، وقلنا ذلك لا يحوز(1) لانه سبحانه لا يجوز أن يكلف لاجتلاب نفع ولا دفع ضرر لاستحالتهما عليه سبحانه، ولا لغير غرض، ولا لاغراء بالقبيح لقبحهما، ولا ليدفع بالتكليف ضررا عن المكلف، لان دفع الضرر بالضرر لا يحسن إلا بحيث لا يندفع الابه، وهو سبحانه قادر على دفع كل ضرر من غير اضرار، فلا يحسن تكليف المشاق له، ولا يحسن الاستحقاق(2) لامور: منها ان ذلك يقتضى تقدم(3) تكليف قبل تكليف إلى ما لا يتناهى، وذلك محال، ولان الضرر المستحق مقترن بالاستخفاف، وامتثال مشاق التكليف يقتضى المدح والتعظيم، ولم يبق لحسنه الا كونه ضررا مبتدءا أو تعريضا لنفع، والضرر المبتدء ظلم لا يجوز عليه سبحانه، فثبت كونه تعريضا لنفع لا يجوز أن يكون مما يحسن الابتداء به، لانه سبحانه قادر على ضروب ما يحسن الابتداء به من المنافع، فلا يجوز أن يكلف المشاق لها من حيث كان ذلك عبثا لا يجوز عليه سبحانه، لكونه جاريا مجرى من أراد أن ينفع غيره فلم يفعل حتى كلفه نقل الرمل من جهة إلى اخرى لا لغرض الا ذلك النفع في كونه عابثا، والنفع الذي لا يحسن الابتداء به هو الواقع على جهة الاعظام والاجلال، لعلمنا بقبح التفضل بالتعظيم وأنه لا يحسن الا مستحقا.
وعلمه سبحانه بأن كثيرا من المكلفين يعصى فيما كلفه فيستحق العقاب
Shafi 53