بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله المحمود لنعمته المعبود لقدرته، المطاع في سلطانه المرهوب لجلاله، المرغوب إليه فيما عنده، النافذ أمره في جميع خلقه، علا فاستعلى ودنا فتعالى، وارتفع فوق كل منظر ، الذي لا بدء لأوليته، ولا غاية لأزليته، القائم قبل الأشياء، والدائم الذي به قوامها، والقاهر الذي لا يؤوده حفظها والقادر الذي بعظمته تفرد بالملكوت وبقدرته توحد بالجبروت، وبحكمته أظهر حججه على خلقه. اخترع الأشياء إنشاء، وابتدعها ابتداء، بقدرته وحكمته، لا من شئ فيبطل الاختراع ولا لعلة فلا يصح الابتداع، خلق ما شاء كيف شاء، متوحدا " بذلك لإظهار حكمته، وحقيقة ربوبيته، لا تضبطه العقول، ولا تبلغه الأوهام، ولا تدركه الأبصار، ولا يحيط به مقدار، عجزت دونه العبارة، وكلت دونه الأبصار، وضل فيه تصاريف الصفات .
احتجب بغير حجاب محجوب، واستتر بغير ستر مستور، عرف بغير
Shafi 2
رؤية، ووصف بغير صورة، ونعت بغير جسم، لا إله إلا الله الكبير المتعال، ضلت الأوهام عن بلوغ كنهه، وذهلت العقول أن تبلغ اية نهايته، لا يبلغه حدوهم، ولا يدركه نفاذ بصر، وهو السميع العليم، احتج على خلقه برسله، وأوضح الأمور بدلائله، وابتعث الرسل مبشرين ومنذرين، ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة، وليعقل العباد عن ربهم ما جهلوه، فيعرفوه بربوبيته بعدما أنكروه، ويوحدوه بالإلهية بعد ما أضدوه أحمده، حمدا " يشفي النفوس، ويبلغ رضاه ويؤدي شكر ما وصل إلينا، من سوابغ النعماء، وجزيل الآلاء وجميل البلاء.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلها " واحدا " أحدا " صمدا " لم يتخذ صاحبة ولا ولدا " وأشهد أن محمدا " صلى الله عليه وآله عبد انتجبه، ورسول ابتعثه، على حين فترة من الرسل وطول هجعة من الأمم وانبساط من الجهل، واعتراض من الفتنة وانتقاض من المبرم وعمى عن الحق، واعتساف من الجور وامتحاق من الدين.
وأنزل إليه الكتاب، فيه البيان والتبيان، قرآنا " عربيا " غير ذي عوج لعلهم يتقون، قد بينه للناس ونهجه، بعلم قد فصله، ودين قد أوضحه، وفرائض قد أوجبها، وأمور قد كشفها لخلقه وأعلنها، فيها دلالة إلى النجاة، ومعالم تدعو إلى هداه.
فبلغ صلى الله عليه وآله ما ارسل به، وصدع بما أمر، وأدى ما حمل من أثقال النبوة، وصبر لربه، وجاهد في سبيله، ونصح لامته، ودعاهم إلى النجاة، وحثهم على
Shafi 3
الذكر ودلهم على سبيل الهدى من بعده بمناهج ودواع أسس للعباد أساسها ومنائر رفع لهم أعلامها، لكيلا يضلوا من بعده، وكان بهم رؤوفا " رحيما ".
فلما انقضت مدته واستكملت أيامه، توفاه الله وقبضه إليه، وهو عند الله مرضي عمله، وافر حظه، عظيم خطره، فمضى صلى الله عليه وآله وخلف في أمته كتاب الله ووصيه أمير المؤمنين، وإمام المتقين صلوات الله عليه، صاحبين مؤتلفين، يشهد كل واحد منهما لصاحبه بالتصديق، ينطق الامام عن الله في الكتاب، بما أوجب الله فيه على العباد، من طاعته، وطاعة الإمام وولايته، وواجب حقه، الذي أراد من استكمال دينه، وإظهار أمره، والاحتجاج بحججه، والاستضاءة بنوره، في معادن أهل صفوته ومصطفى أهل خيرته فأوضح الله بأئمة الهدى من أهل بيت نبينا صلى الله عليه وآله عن دينه وأبلج بهم عن سبيل مناهجه وفتح بهم عن باطن ينابيع علمه، وجعلهم مسالك لمعرفته، ومعالم لدينه، وحجابا " بينه وبين خلقه، والباب المؤدي إلى معرفة حقه وأطلعهم على المكنون من غيب سره.
كلما مضى منهم إمام، نصب لخلقه من عقبه إماما " بينا "، وهاديا " نيرا " وإماما " قيما " ، يهدون بالحق وبه يعدلون، حجج الله ودعاته، ورعاته على خلقه، يدين بهديهم العباد ، ويستهل بنورهم البلاد، جعلهم الله حياة للأنام، ومصابيح للظلام ومفاتيح للكلام، ودعائم للاسلام، وجعل نظام طاعته وتمام فرضه التسليم لهم فيما علم، والرد إليهم فيما جهل، وحظر على غيرهم التهجم على القول بما يجهلون ومنعهم جحد ما لا يعلمون، لما أراد تبارك وتعالى من استنقاذ من شاء من خلقه، من ملمات
Shafi 4
الظلم ومغشيات البهم. وصلى الله على محمد وأهل بيته الأخيار الذين أذهب الله عنهم الرجس [أهل البيت] وطهرهم تطهيرا ".
أما بعد، فقد فهمت يا أخي ما شكوت من اصطلاح أهل دهرنا على الجهالة وتوازرهم وسعيهم في عمارة طرقها، ومباينتهم العلم وأهله، حتى كاد العلم معهم أن يأزر كله وينقطع مواده، لما قد رضوا أن يستندوا إلى الجهل، ويضيعوا العلم وأهله.
وسألت: هل يسع الناس المقام على الجهالة والتدين بغير علم، إذا كانوا داخلين في الدين، مقر ين بجميع أموره على جهة الاستحسان، والنشوء عليه ، والتقليد للآباء، والأسلاف والكبراء، والاتكال على عقولهم في دقيق الأشياء وجليلها، فاعلم يا أخي رحمك الله أن الله تبارك وتعالى خلق عباده خلقة منفصلة من البهائم في الفطن والعقول المركبة فيهم، محتملة للأمر والنهي، وجعلهم جل ذكره صنفين: صنفا " منهم أهل الصحة والسلامة، وصنفا " منهم أهل الضرر والزمانة، فخص أهل الصحة والسلامة بالأمر والنهي، بعد ما أكمل لهم آلة التكليف، ووضع التكليف عن أهل الزمانة والضرر، إذ قد خلقهم خلقة غير محتملة للأدب والتعليم وجعل عز وجل سبب بقائهم أهل الصحة والسلامة، وجعل بقاء أهل الصحة والسلامة بالأدب والتعليم، فلو كانت الجهالة جائزة لأهل الصحة والسلامة لجاز وضع التكليف عنهم، وفي جواز ذلك بطلان الكتب والرسل والآداب، وفي رفع الكتب والرسل والآداب
Shafi 5
فساد التدبير، والرجوع إلى قول أهل الدهر، فوجب في عدل الله عز وجل وحكمته أن يخص من خلق من خلقه خلقة محتملة للأمر والنهي، بالأمر والنهي، لئلا يكونوا سدى مهملين، وليعظموه ويوحدوه، ويقر واله بالربوبية، وليعلموا أنه خالقهم ورازقهم، إذ شواهد ربوبيته دالة ظاهرة، وحججه نيرة واضحة، وأعلامه لائحة تدعوهم إلى توحيد الله عز وجل، وتشهد على أنفسها لصانعها بالربوبية والإلهية، لما فيها من آثار صنعه، وعجائب تدبيره، فندبهم إلى معرفته لئلا يبيح لهم أن يجهلوه ويجهلوا دينه وأحكامه، لأن الحكيم لا يبيح الجهل به، والانكار لدينه، فقال جل ثناؤه: " ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب ألا يقولوا على الله إلا الحق " وقال: " بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه "، فكانوا محصورين بالأمر والنهي، مأمورين بقول الحق، غير مرخص لهم في المقام على الجهل، أمرهم بالسؤال، والتفقه في الدين فقال: " فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم " وقال: " فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون " .
فلو كان يسع أهل الصحة والسلامة، المقام على الجهل، لما أمرهم بالسؤال، ولم يكن يحتاج إلى بعثة الرسل بالكتب والآداب، وكادوا يكونون عند ذلك بمنزلة البهائم، ومنزلة أهل الضرر والزمانة، ولو كانوا كذلك لما بقوا طرفة عين، فلما لم يجز بقاؤهم إلا بالأدب والتعليم، وجب أنه لا بد لكل صحيح الخلقة، كامل الآلة من مؤدب، ودليل، ومشير، وآمر، وناه، وأدب، وتعليم، وسؤال، ومسألة.
فأحق ما اقتبسه العاقل، والتمسه المتدبر الفطن، وسعى له الموفق المصيب، العلم بالدين، ومعرفة ما استعبد الله به خلقه من توحيده، وشرائعه وأحكامه، وأمره ونهيه وزواجره وآدابه، إذ كانت الحجة ثابتة، والتكليف لازما "، والعمر يسيرا "، والتسويف غير مقبول، والشرط من الله جل ذكره فيما استعبد به خلقه أن يؤدوا جميع فرائضه بعلم ويقين وبصيرة، ليكون المؤدي لها محمودا " عند ربه، مستوجبا " لثوابه، وعظيم جزائه، لأن الذي يؤدي بغير علم وبصيرة، لا يدري ما يؤدي، ولا يدري إلى من يؤدي،
Shafi 6
وإذا كان جاهلا " لم يكن على ثقة مما أدى، ولا مصدقا "، لأن المصدق لا يكون مصدقا " حتى يكون عارفا " بما صدق به من غير شك ولا شبهة، لأن الشاك لا يكون له من الرغبة والرهبة والخضوع والتقرب مثل ما يكون من العالم المستيقن، وقد قال الله عز وجل: " إلا من شهد بالحق وهم يعلمون " فصارت الشهادة مقبولة لعلة العلم بالشهادة، ولولا العلم بالشهادة، لم تكن الشهادة مقبولة، والأمر في الشاك المؤدي بغير علم وبصيرة، إلى الله جل ذكره، إن شاء تطول عليه فقبل عمله، وإن شاء رد عليه، لأن الشرط عليه من الله أن يؤدي المفروض بعلم وبصيرة ويقين، كيلا يكونوا ممن وصفه الله فقال تبارك وتعالى: " ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين " لأنه كان داخلا " فيه بغير علم ولا يقين، فلذلك صار خروجه بغير علم ولا يقين، وقد قال العالم عليه السلام: " من دخل في الإيمان بعلم ثبت فيه، ونفعه إيمانه، ومن دخل فيه بغير علم خرج منه كما دخل فيه "، وقال عليه السلام: " من أخذ دينه من كتاب الله وسنة نبيه صلوات الله عليه وآله زالت الجبال قبل أن يزول ومن أخذ دينه من أفواه الرجال ردته الرجال "، وقال عليه السلام: " من لم يعرف أمرنا من القرآن لم يتنكب الفتن ".
ولهذه العلة انبثقت على أهل دهرنا بثوق هذه الأديان الفاسدة، والمذاهب المستشنعة التي قد استوفت شرائط الكفر والشرك كلها، وذلك بتوفيق الله تعالى وخذلانه، فمن أراد الله توفيقه وأن يكون إيمانه ثابتا " مستقرا "، سبب له الأسباب
Shafi 7
التي توديه إلى أن يأخذ دينه من كتاب الله وسنة نبيه صلوات الله عليه وآله بعلم ويقين وبصيرة، فذاك أثبت في دينه من الجبال الرواسي، ومن أراد الله خذلانه وأن يكون دينه معارا " مستودعا " - نعوذ بالله منه - سبب له أسباب الاستحسان والتقليد والتأويل من غير علم وبصيرة، فذاك في المشيئة إن شاء الله تبارك وتعالى أتم إيمانه، وإن شاء سلبه إياه، ولا يؤمن عليه أن يصبح مؤمنا " ويمسي كافرا "، أو يمسي مؤمنا " ويصبح كافرا "، لأنه كلما رأى كبيرا " من الكبراء مال معه، وكلما رأى شيئا " استحسن ظاهره قبله، وقد قال العالم عليه السلام: " إن الله عز وجل خلق النبيين على النبوة، فلا يكونون إلا أنبياء، وخلق الأوصياء على الوصية، فلا يكونون إلا أوصياء، وأعار قوما " إيمانا " فإن شاء تممه لهم، وإن شاء سلبهم إياه. قال: وفيهم جرى قوله:
فمستقر ومستودع ".
وذكرت أن أمورا " قد أشكلت عليك، لا تعرف حقائقها لاختلاف الرواية فيها، وأنك تعلم أن اختلاف الرواية فيها لاختلاف عللها وأسبابها، وأنك لا تجد بحضرتك من تذاكره وتفاوضه ممن تثق بعلمه فيها، وقلت: إنك تحب أن يكون عندك كتاب كاف يجمع [فيه] من جميع فنون علم الدين، ما يكتفي به المتعلم، ويرجع إليه المسترشد، ويأخذ منه من يريد علم الدين والعمل به بالآثار الصحيحة عن الصادقين عليهم السلام والسنن القائمة التي عليها العمل، وبها يؤدي فرض الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وآله، وقلت: لو كان ذلك رجوت أن يكون ذلك سببا " يتدارك الله [تعالى] بمعونته وتوفيقه إخواننا وأهل ملتنا ويقبل بهم إلى مراشدهم.
فاعلم يا أخي أرشدك الله أنه لا يسع أحدا " تمييز شئ مما اختلف الرواية فيه عن العلماء عليهم السلام برأيه، إلا على ما أطلقه العالم بقوله عليه السلام: " اعرضوها على كتاب الله فما وافى كتاب الله عز وجل فخذوه، وما خالف كتاب الله فردوه " و قوله عليه السلام: " دعوا ما وافق القوم فإن الرشد في خلافهم " وقوله عليه السلام " خذوا بالمجمع
Shafi 8
عليه، فإن المجمع عليه لا ريب فيه " ونحن لا نعرف من جميع ذلك إلا أقله ولا نجد شيئا " أحوط ولا أوسع من رد علم ذلك كله إلى العالم عليه السلام وقبول ما وسع من الأمر فيه بقوله عليه السلام: " بأيما أخذتم من باب التسليم وسعكم ".
وقد يسر الله - وله الحمد - تأليف ما سألت، وأرجو أن يكون بحيث توخيت فمهما كان فيه من تقصير فلم تقصر نيتنا في إهداء النصيحة، إذ كانت واجبة لإخواننا وأهل ملتنا، مع ما رجونا أن نكون مشاركين لكل من اقتبس منه، وعمل بما فيه دهرنا هذا، وفي غابره إلى انقضاء الدنيا، إذ الرب عز وجل واحد والرسول محمد خاتم النبيين - صلوات الله وسلامه عليه وآله - واحد، والشريعة واحدة وحلال محمد حلال وحرامه حرام إلى يوم القيامة، ووسعنا قليلا " كتاب الحجة وإن لم نكمله على استحقاقه، لأنا كرهنا أن نبخس حظوظه كلها.
وأرجو أن يسهل الله عز وجل إمضاء ما قدمنا من النية، إن تأخر الأجل صنفنا كتابا " أوسع وأكمل منه، نوفيه حقوقه كلها إن شاء الله تعالى وبه الحول والقوة وإليه الرغبة في الزيادة في المعونة والتوفيق. والصلاة على سيدنا محمد النبي وآله الطاهرين الأخيار.
وأول ما أبدأ به وأفتتح به كتابي هذا كتاب العقل، وفضائل العلم، وارتفاع درجة أهله، وعلو قدرهم، ونقص الجهل، وخساسة أهله، وسقوط منزلتهم، إذ كان العقل هو القطب الذي عليه المدار وبه يحتج وله الثواب، وعليه العقاب، [والله الموفق].
Shafi 9
(كتاب العقل والجهل)
1 - أخبرنا أبو جعفر محمد بن يعقوب قال: حدثني عدة من أصحابنا منهم محمد بن يحيى العطار، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن محبوب، عن العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: لما خلق الله العقل استنطقه ثم قال له:
أقبل فأقبل ثم قال له: أدبر فأدبر ثم قال: وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا " هو أحب إلي منك ولا أكملتك إلا فيمن أحب، أما إني إياك آمر، وإياك أنهى وإياك أعاقب، وإياك أثيب.
2 - علي بن محمد، عن سهل بن زياد، عن عمرو بن عثمان، عن مفضل بن صالح، عن سعد بن طريف ، عن الأصبغ بن نباته، عن علي عليه السلام قال: هبط جبرئيل على آدم عليه السلام فقال: يا آدم إني أمرت أن أخيرك واحدة من ثلاث فاخترها ودع اثنتين فقال له آدم: يا جبرئيل وما الثلاث؟ فقال: العقل والحياء والدين، فقال آدم: إني قد اخترت العقل فقال جبرئيل للحياء والدين: انصرفا ودعاه
Shafi 10
فقالا: يا جبرئيل إنا أمرنا أن نكون مع العقل حيث كان، قال: فشأنكما وعرج. 3 - أحمد بن إدريس، عن محمد بن عبد الجبار، عن بعض أصحابنا رفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: ما العقل؟ قال: ما عبد به الرحمن واكتسب به الجنان قال: قلت: فالذي كان في معاوية؟ فقال: تلك النكراء! تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل، وليست بالعقل.
4 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن فضال، عن الحسن بن الجهم قال: سمعت الرضا عليه السلام يقول: صديق كل امرء عقله، وعدوه جهله.
5 - وعنه، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن الحسن بن الجهم قال: قلت لأبي الحسن عليه السلام: إن عندنا قوما " لهم محبة، وليست لهم تلك العزيمة يقولون بهذا القول؟ فقال: ليس أولئك ممن عاتب الله إنما قال الله: فاعتبروا يا أولي الأبصار.
6 - أحمد بن إدريس، عن محمد بن حسان، عن أبي محمد الرازي، عن سيف بن عميرة، عن إسحاق بن عمار قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: من كان عاقلا " كان له دين، ومن كان له دين دخل الجنة.
7 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن الحسن بن علي بن يقطين، عن محمد بن سنان، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إنما يداق الله العباد في الحساب يوم القيامة على قدر ما آتاهم من العقول في الدنيا.
8 - علي بن محمد بن عبد الله ، عن إبراهيم بن إسحاق الأحمر، عن محمد بن
Shafi 11
سليمان الديلمي، عن أبيه قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: فلان من عبادته ودينه وفضله؟
فقال: كيف عقله؟ قلت: لا أدري، فقال: إن الثواب على قدر العقل، إن رجلا من بني إسرائيل كان يعبد الله في جزيرة من جزائر البحر، خضراء نضرة، كثيرة الشجر ظاهرة الماء وإن ملكا " من الملائكة مر به فقال يا رب أرني ثواب عبدك هذا، فأراه الله [تعالى] ذلك، فاستقله الملك، فأوحى الله [تعالى] إليه: أن اصحبه فأتاه الملك في صوره إنسي فقال له: من أنت؟ قال: أنا رجل عابد بلغني مكانك وعبادتك في هذا المكان فأتيتك لأعبد الله معك، فكان معه يومه ذلك فلما أصبح قال له الملك: إن مكانك لنزه، وما يصلح إلا للعبادة، فقال له العابد: إن لمكاننا هذا عيبا " فقال له: وما هو؟ قال: ليس لربنا بهيمة فلو كان له حمار رعيناه في هذا الموضع، فإن هذا الحشيش يضيع، فقال له [ذلك] الملك: وما لربك حمار؟
فقال: لو كان له حمار ما كان يضيع مثل هذا الحشيش، فأوحى الله إلى الملك: إنما أثيبه على قدر عقله.
9 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله عليه السلام: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا بلغكم عن رجل حسن حال فانظروا في حسن عقله، فإنما يجازي بعقله 10 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن عبد الله بن سنان قال: ذكرت لأبي عبد الله عليه السلام رجلا " مبتلى بالوضوء والصلاة وقلت: هو رجل عاقل، فقال: أبو عبد الله وأي عقل له وهو يطيع الشيطان؟ فقلت له: وكيف يطيع الشيطان؟ فقال سله هذا الذي يأتيه من أي شئ هو؟ فإنه يقول لك من عمل الشيطان 11 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن بعض أصحابه، رفعه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما قسم الله للعباد شيئا " أفضل من العقل، فنوم العاقل
Shafi 12
أفضل من سهر الجاهل، وإقامة العاقل أفضل من شخوص الجاهل ولا بعث الله نبيا " ولا رسولا " حتى يستكمل العقل، ويكون عقله أفضل من جميع عقول أمته وما يضمر النبي صلى الله عليه وآله في نفسه أفضل من اجتهاد المجتهدين، وما أدى العبد فرائض الله حتى عقل عنه، ولا بلغ جميع العابدين في فضل عبادتهم ما بلغ العاقل، والعقلاء هم أولو الألباب، الذين قال الله تعالى: " وما يتذكر إلا أولو الألباب " .
12 - أبو عبد الله الأشعري، عن بعض أصحابنا، رفعه عن هشام بن الحكم قال:
قال لي أبو الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام: يا هشام إن الله تبارك وتعالى بشر أهل العقل والفهم في كتابه فقال: فبشر عباد * الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب " .
يا هشام إن الله تبارك وتعالى أكمل للناس الحجج بالعقول، ونصر النبيين بالبيان، ودلهم على ربوبيته بالأدلة، فقال: " وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم * إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس، وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيى به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون " .
يا هشام قد جعل الله ذلك دليلا " على معرفته بأن لهم مدبرا "، فقال: " وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره، إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون " . وقال: " هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلا " ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخا ومنكم من يتوفى من قبل ولتبلغوا أجلا " مسمى ولعلكم تعقلون " وقال: " إن في اختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيى به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح
Shafi 13
[والسحاب المسخر بين السماء والأرض] لآيات لقوم يعقلون " وقال: " يحيي الأرض بعد موتها، قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون ". وقال: وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الاكل، إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ". وقال: " ومن آياته يريكم البرق خوفا " وطمعا وينزل من السماء ماء فيحيي به الأرض بعد موتها. إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ". وقال: " قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا " وبالوالدين إحسانا " ولا تقتلوا أولادكم من إملاق، نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، ذلكم وصيكم به لعلكم تعقلون ". وقال: " هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء فيما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم، كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون ".
يا هشام ثم وعظ أهل العقل ورغبهم في الآخرة فقال: " وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو وللدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون ".
يا هشام ثم خوف الذين لا يعقلون عقابه فقال تعالى: " ثم دمرنا الآخرين وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل أفلا تعقلون ". وقال: " إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزا " من السماء بما كانوا يفسقون ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون ".
يا هشام إن العقل مع العلم فقال: " وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون ". يا هشام ثم ذم الذين لا يعقلون فقال: " وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا " ولا يهتدون " وقال: " ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم
Shafi 14
عمي فهم لا يعقلون ". وقال: " ومنهم من يستمع إليك أفأنت تسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون " وقال: " أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا ". وقال: " لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون ". وقال: " وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون ".
يا هشام ثم ذم الله الكثرة فقال: " وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله ". وقال: " ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون ". وقال: " ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيى به الأرض من بعد موتها ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعقلون ".
يا هشام ثم مدح القلة فقال: " وقليل من عبادي الشكور ". وقال: " و قليل ما هم ". وقال: " وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ". وقال: " ومن آمن وما آمن معه إلا قليل ". وقال: " ولكن أكثرهم لا يعلمون ". وقال: " وأكثرهم لا يعقلون " . وقال: " وأكثرهم لا يشعرون ".
يا هشام ثم ذكر اولي الألباب بأحسن الذكر، وحلاهم بأحسن الحلية، فقال: " يؤتى الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر إلا أولو الألباب ". وقال: " والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب (16) " وقال: " إن في خلق السماوات والأرض
Shafi 15
واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب ". وقال: " أفمن يعلم أنما انزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولو الألباب " وقال:
" أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب ". وقال:
" كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب ". وقال:
" ولقد آتينا موسى الهدى وأورثنا بني إسرائيل الكتاب هدى وذكرى لأولي الألباب " وقال: " وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ".
يا هشام إن الله تعالى يقول في كتابه: " إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب " يعني: عقل: " وقال " ولقد آتينا لقمان الحكمة "، قال: الفهم والعقل.
يا هشام إن لقمان قال لابنه: تواضع للحق تكن أعقل الناس، وإن الكيس لدى الحق يسير، يا بني إن الدنيا بحر عميق، قد غرق فيها عالم كثير فلتكن سفينتك فيها تقوى الله، وحشوها الإيمان وشراعها التوكل، وقيمها العقل ودليلها العلم، وسكانها الصبر.
يا هشام إن لكل شئ دليلا ودليل العقل التفكر، ودليل التفكر الصمت، و لكل شئ مطية ومطية العقل التواضع وكفى بك جهلا أن تركب ما نهيت عنه.
يا هشام ما بعث الله أنبياء ه ورسله إلى عباده إلا ليعقلوا عن الله، فأحسنهم استجابة أحسنهم معرفة، وأعلمهم بأمر الله أحسنهم عقلا، وأكملهم عقلا أرفعهم درجة في الدنيا والآخرة.
يا هشام إن لله على الناس حجتين: حجة ظاهرة وحجة باطنة، فأما الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمة - عليهم السلام -، وأما الباطنة فالعقول.
يا هشام إن العاقل الذي لا يشغل الحلال شكره، ولا يغلب الحرام صبره.
Shafi 16
يا هشام من سلط ثلاثا على ثلاث فكأنما أعان على هدم عقله: من أظلم نور تفكره بطول أمله، ومحا طرائف حكمته بفضول كلامه ، وأطفأ نور عبرته بشهوات نفسه، فكأنما أعان هواه على هدم عقله، ومن هدم عقله، أفسد عليه دينه ودنياه.
يا هشام كيف يزكو عند الله عملك، وأنت قد شغلت قلبك عن أمر ربك وأطعت هواك على غلبة عقلك.
يا هشام الصبر على الوحدة علامة قوة العقل، فمن عقل عن الله اعتزل أهل الدنيا والراغبين فيها، ورغب فيما عند الله، وكان الله انسه في الوحشة، وصاحبه في الوحدة، وغناه في العيلة ، ومعزه من غير عشيرة.
يا هشام نصب الحق لطاعة الله ، ولا نجاة إلا بالطاعة، والطاعة بالعلم والعلم بالتعلم، والتعلم بالعقل يعتقد ، ولا علم إلا من عالم رباني، ومعرفة العلم بالعقل.
يا هشام قليل العمل من العالم مقبول مضاعف، وكثير العمل من أهل الهوى والجهل مردود.
يا هشام إن العاقل رضي بالدون من الدنيا مع الحكمة، ولم يرض بالدون من الحكمة مع الدنيا، فلذلك ربحت تجارتهم.
يا هشام إن العقلاء تركوا فضول الدنيا فكيف الذنوب، وترك الدنيا من
Shafi 17
الفضل، وترك الذنوب من الفرض.
يا هشام إن العاقل نظر إلى الدنيا وإلى أهلها فعلم أنها لا تنال إلا بالمشقة ونظر إلى الآخرة فعلم أنها لا تنال إلا بالمشقة، فطلب بالمشقة أبقاهما.
يا هشام إن العقلاء زهدوا في الدنيا ورغبوا في الآخرة، لأنهم علموا أن الدنيا طالبة مطلوبة والآخرة طالبة ومطلوبة، فمن طلب الآخرة طلبته الدنيا حتى يستوفي منها رزقه، ومن طلب الدنيا طلبته الآخرة فيأتيه الموت، فيفسد عليه دنياه وآخرته.
يا هشام من أراد الغنى بلا مال، وراحة القلب من الحسد، والسلامة في الدين فليتضرع إلى الله عز وجل في مسألته بأن يكمل عقله، فمن عقل قنع بما يكفيه، ومن قنع بما يكفيه استغني، ومن لم يقنع بما يكفيه لم يدرك الغني أبدا.
يا هشام إن الله حكى عن قوم صالحين: أنهم قالوا: " ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب " حين علموا أن القلوب تزيغ وتعود إلى عماها ورداها.
إنه لم يخف الله من لم يعقل عن الله، ومن لم يعقل عن الله لم يعقد قلبه على معرفة ثابتة يبصرها ويجد حقيقتها في قلبه، ولا يكون أحد كذلك إلا من كان قوله لفعله مصدقا، وسره لعلانيته موافقا، لأن الله تبارك اسمه لم يدل على الباطن الخفي من العقل إلا بظاهر منه، وناطق عنه.
يا هشام كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: ما عبد الله بشئ أفضل من العقل، وما تم عقل امرء حتى يكون فيه خصال شتى: الكفر والشر منه مأمونان، والرشد والخير
Shafi 18
منه مأمولان، وفضل ماله مبذول، وفضل قوله مكفوف، ونصيبه من الدنيا القوت، لا يشبع من العلم دهره، الذل أحب إليه مع الله من العز مع غيره، والتواضع أحب إليه من الشرف ، يستكثر قليل المعروف من غيره، ويستقل كثير المعروف من نفسه، ويرى الناس كلهم خيرا منه، وأنه شرهم في نفسه، وهو تمام الأمر. يا هشام إن العاقل لا يكذب وإن كان فيه هواه.
يا هشام لا دين لمن لا مروة له ، ولا مروة لمن لا عقل له، وإن أعظم الناس قدرا الذي لا يرى الدنيا لنفسه خطرا أما إن أبدانكم ليس لها ثمن إلا الجنة فلا تبيعوها بغيرها.
يا هشام إن أمير المؤمنين عليه السلام كان يقول: إن من علامة العاقل أن يكون فيه ثلاث خصال: يجيب إذا سئل، وينطق إذا عجز القوم عن الكلام، ويشير بالرأي الذي يكون فيه صلاح أهله، فمن لم يكن فيه من هذه الخصال الثلاث شئ فهو أحمق.
إن أمير المؤمنين عليه السلام قال: لا يجلس في صدر المجلس إلا رجل فيه هذه الخصال الثلاث أو واحدة منهن، فمن لم يكن فيه شئ منهن فجلس فهو أحمق.
وقال الحسن بن علي عليهما السلام: إذا طلبتم الحوائج فاطلبوها من أهلها، قيل
Shafi 19
يا ابن رسول الله ومن أهلها؟ قال: الذين قص الله في كتابه وذكرهم، فقال: " إنما يتذكر أولو الألباب " قال: هم أولو العقول.
وقال علي بن الحسين عليهما السلام : مجالسة الصالحين داعية إلى الصلاح، وآداب العلماء زيادة في العقل، وطاعة ولاة العدل تمام العز، واستثمار المال تمام المروة وإرشاد المستشير قضاء لحق النعمة، وكف الأذى من كمال العقل، وفيه راحة البدن عاجلا وآجلا.
يا هشام إن العاقل لا يحدث من يخاف تكذيبه، ولا يسأل من يخاف منعه ولا يعد ما لا يقدر عليه، ولا يرجو ما يعنف برجائه ، ولا يقدم على ما يخاف فوته بالعجز عنه. 13 - علي بن محمد، عن سهل بن زياد رفعه قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: العقل غطاء ستير ، والفضل جمال ظاهر فاستر خلل خلقك بفضلك وقاتل هواك بعقلك، تسلم لك المودة، وتظهر لك المحبة.
14 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن علي بن حديد، عن سماعة بن مهران
Shafi 20
قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام وعنده جماعة من مواليه فجرى ذكر العقل والجهل فقال أبو عبد الله عليه السلام: اعرفوا العقل وجنده والجهل وجنده تهتدوا، قال سماعة: فقلت:
جعلت فداك لا نعرف إلا ما عرفتنا، فقال أبو عبد الله عليه السلام: إن الله عز وجل خلق العقل وهو أول خلق من الروحانيين عن يمين العرش من نوره فقال له: أدبر فأدبر، ثم قال له: أقبل فأقبل، فقال الله تبارك وتعالى: خلقتك خلقا عظيما وكرمتك على جميع خلقي، قال: ثم خلق الجهل من البحر الأجاج ظلمانيا فقال له:
أدبر فأدبر، ثم قال له: أقبل فلم يقبل فقال له: استكبرت فلعنه، ثم جعل للعقل خمسة وسبعين جندا فلما رأى الجهل ما أكرم الله به العقل وما أعطاه أضمر له العداوة فقال الجهل:
يا رب هذا خلق مثلي خلقته وكرمته وقويته وأنا ضده ولا قوة لي به فأعطني من الجند مثل ما أعطيته فقال: نعم فإن عصيت بعد ذلك أخرجتك وجندك من رحمتي قال: قد رضيت فأعطاه خمسة وسبعين جندا فكان مما أعطى العقل من الخمسة والسبعين الجند: الخير وهو وزير العقل وجعل ضده الشر وهو وزير الجهل، والايمان وضده الكفر، والتصديق وضده الجحود، والرجاء وضده القنوط، والعدل وضده الجور، والرضا وضده السخط، والشكر وضده الكفران، والطمع وضده اليأس، والتوكل وضده الحرص، والرأفة وضدها القسوة، والرحمة وضدها الغضب، والعلم وضده الجهل، والفهم وضده الحمق، والعفة وضدها التهتك، والزهد وضده الرغبة، والرفق وضده الخرق، والرهبة وضدها الجرأة، والتواضع وضده الكبر، والتؤدة وضدها التسرع، والحلم وضدها السفه،
Shafi 21