مقدمة
التصنيف على الأجزاء الحديثية نوع من أنواع التأليف التي اتبعها علماء الحديث في القرون السابقة، وقد خدم بها أصحابها سنة رسول الله ﷺ خدمة موضوعية يغلب عليها الاختصار لتخصصها في الموضوع الواحد، لذلك فإن أهمية هذا النوع من التأليف لا يختلف فيه اثنان، ولكون هذا الجزء يختص بخدمة عبادة من العبادات العظيمة وهي عبادة الصلاة على النبي ﷺ اخترت هذا الجزء لمخرجه الإمام علي بن المفضل المقدسي (ت ٦١١؟)، وكان أحد حفاظ زمانه متفقًا على حفظه وإتقانه وجودة تخريجه.
وقد قمت بدراسته وتحقيقه، ففي الدراسة عرّفت بالأجزاء الحديثية وعناية العلماء بها، وذكرت التخريج بمعنى الاستخراج وهو إخراج الحديث من بطون الكتب. ونبهت على أن هذا الجزء يحوي عددا من أنواع الإسناد العالي كالموافقة والبدل وغير ذلك، وقد قمت بخدمة الأحاديث خدمة إسنادية متنيّة بالطرق العلمية المتبعة في ذلك.
وأرجو من الله العلي القدير أن يكون هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم وأن أكون من خلاله أسهمت في خدمة السنة المطهرة بخدمة متواضعة، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
1 / 163
التقريب ... تقريب التهذيب لابن حجر.
التهذيب ... تهذيب التهذيب لابن حجر.
الكاشف ... الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة للإمام الذهبي.
السير ... سير أعلام النبلاء للإمام الذهبي.
العبر ... العبر في خبر من غبر للإمام الذهبي.
الميزان ... ميزان الاعتدال في نقد الرجال للإمام الذهبي.
اللسان ... لسان الميزان لابن حجر.
النيل ... نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار للشوكاني.
المجمع ... مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للهيثمي.
التمهيد ... التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد لابن عبد البر.
الاستذكار ... الاستذكار لما في الموطأ من المعاني والآثار لابن عبد البر.
الكامل ... الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي الجرجاني.
التعجيل ... تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأربعة لابن حجر.
الفتح ... فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر.
1 / 164
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
أما بعد: فإن الله تعالى أمر عباده بالصلاة على نبيه محمد بعد أن أخبر ﷾ أنه يصلي عليه وأن ملائكته الكرام يصلون عليه ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ ١.
وهذا جزء حديثي في الصلاة على رسول الله ﷺ للإمام علي بن المفضل المقدسي، والجزء الحديثي هو: “المؤلَّف في الأحاديث المروية عن رجل واحد ... وقد يختارون من المطالب الثمانية - المذكورة في صفة الجامع - مطلبًا جزئيًا يصنفون فيه ...، كما سيأتي، والأجزاء الحديثية تعد من الكتب التي تخدم سنة رسول الله ﷺ.
وهذا الجزء يخدم عبادة عظيمة هي الصلاة على رسول الله ﷺ بأصح الأسانيد، وفيه الموافقة والبدل، وهما من أنواع الأسانيد العالية، وعلو الإسناد يحرص على الرواية به المحدثون لأنه تقلّ فيه الوسائط وتقلّ تبعا لها جهات احتمال الخلل - من الرواة - من ناحية، ويحصل من خلاله التقوية بتعدد الطرق، ونجد من هذا القبيل ما يقول فيه المصنف علي بن المفضل: “وافقنا مسلمًا في شيخه بعينه”.
إن الصلاة على النبي ﷺ أمرها عظيم وجزاؤها كبير. قال ﷺ: “من صلى علي مرة صلى الله عليه بها عشرا” ٢، وقال ﷺ: “أولى الناس بي يوم
_________
١ سورة الأحزاب، آية (٥٦) .
٢ صحيح مسلم في كتاب الصلاة: حديث ٧٠/٤٠٨ والترمذي في الصلاة حديث (٤٨٥) من حديث أبي هريرة.
1 / 165
القيامة أكثرهم علي صلاة” ١.
وعلى المسلم أن يتحرى في أدائه لهذه العبادة العظيمة ما صح فقد سأل الصحابة الكرام رسول الله ﷺ عن كيفية الصلاة فقال مجيبًا ومعلمًا لهم: “قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد” ٢.
فهذه الكيفية التي علمها رسول الله ﷺ لأصحابه حريٌّ بالمسلم أن لا يتجاوزها إلى صلوات لم تثبت، وقد ذهب إلى ترجيح هذه الصيغة على غيرها الحافظ ابن حجر ونقل ذلك عن النووي، فقال: “وقد استدل بتعليمه ﷺ لأصحابه هذه الكيفية - بعد سؤالهم عنها - بأنها أفضل كيفيات الصلاة عليه لأنه لا يختار لنفسه إلا الأشرف الأكمل” ٣.
وأُسمّي هنا بعض ما أُلف في هذه العبادة، لأن المؤلفات في عبادة الصلاة على النبي ﷺ كثيرة، وقد ذكر منها د/ صلاح الدين المنجد في معجمه٤ (٤٧) مؤلَّفًا، وأحصى الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان من مطبوعها (٢٨) عنوانا، ومن مخطوطها وما وقف على ذكره عند بعض أهل العلم: (١٠١) مائة عنوان وعنوان٥.
_________
١ رواه الترمذي في الصلاة حديث (٤٨٤) من حديث ابن مسعود ﵁ وقال: حسن غريب، وصحّحه ابن حبان ٣/١٩٢ وقال الحافظ: له شاهد عند البيهقي عن أبي أمامة بسند لا بأس به، الفتح: ١١/١٦٧ وانظر السنن الكبرى للبيهقي ٣/٢٤٩ وشعب الإيمان ٣/١١٠.
٢ البخاري مع الفتح: ٨/٥٣٢ حديث (٢٤٩٧) في كتاب التفسير.
٣ الفتح: ١١/٦٦ - ١٦٧، وانظر فضل الصلاة على النبي ﷺ لشيخنا الشيخ عبد المحسن ابن حمد العباد: ١٤.
٤ معجم ما ألف عن رسول الله ﷺ للدكتور صلاح الدين المنجد: ٣٠٣.
٥ انظر مقدمة جلاء الأفهام: ٨ - ٢٩.
1 / 166
وأذكر هنا نزرا يسيرا من المؤلفات فيها:
١- فضل الصلاة على النبي ﷺ لإسماعيل بن إسحاق القاضي المالكي (ت ٢٨٢؟) حققه الشيخ ناصر الدين الألباني ونشره المكتب الإسلامي ببيروت.
٢- فضل الصلاة على النبي ﷺ لأبي بكر أحمد بن عمر بن أبي عاصم (ت ٢٨٧؟) حققه حمدي عبد المجيد السلفي ونشرته دار المأمون للتراث بدمشق سنة ١٩٩٥ م.
٣- فضل الصلاة على النبي ﷺ للقاضي عياض بن موسى بن عياض اليحصبي المغربي (ت ٥٤٤؟) وقد جاء كتابه هذا حافلا بفصول عديدة بلغت ثمانية فصول وهي:
الفصل الأول: في معنى الصلاة على النبي ﷺ.
الفصل الثاني: في حكم الصلاة والسلام عليه ﷺ.
الفصل الثالث: في المواطن التي يستحب فيها الصلاة والسلام على النبي ﷺ ويرغب فيها.
الفصل الرابع: كيفية الصلاة والتسليم على النبي ﷺ.
الفصل الخامس: فضيلة الصلاة على النبي ﷺ عليه والدعاء له.
الفصل السادس: ذم من لم يصل على النبي ﷺ وإثمه.
الفصل السابع: تخصيصه ﷺ بتبليغ صلاة من صلى عليه.
الفصل الثامن: الاختلاف في جواز الصلاة على غير النبي ﷺ وسائر الأنبياء ﵈.
وقد طبع الكتاب عن طريق المختار السلامي بالقاهرة.
٤ - جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على محمد خير الأنام للإمام ابن القيم الجوزية (ت ٧٥١؟) وقد قال عنه الإمام شمس الدين السخاوي
1 / 167
(ت ٩٠٢؟) - بعد أن ذكر عدة كتب في الصلاة على النبي ﷺ وذكر جلاء الأفهام: “هو كتاب جليل في معناه”.. وقال إنه “أحسنها وأكثرها فوائد” ١. وقد نوّه به مؤلفه نفسه ﵀ فقال في كتابه زاد المعاد في هدي خير العباد في مبحث تسميته ﷺ باسم محمد “كتاب جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على خير الأنام، وهو كتاب فرد في معناه لم يُسبق إلى مثله في كثرة فوائده وغزارتها، بيّنّا فيه الأحاديث الواردة في الصلاة والسلام عليه، وصحيحها من حسنها ومعلولها، وبيان ما في معلولها من العلل بيانًا شافيًا، ثم أسرار هذا الدعاء وشرفه، وما اشتمل عليه من الحكم والفوائد، ثم مواطن الصلاة عليه، ومحالَّها ثم الكلام على مقدار الواجب منها، واختلاف أهل العلم فيه، وترجيح الراجح، وزيْف المُزيّف، ومَخبرُ الكتاب فوق وصفه” ٢ وقد صدق في ذلك وبرَّ ﵀ وطبع الكتاب بتحقيق مشهور بن حسن آل سلمان في طبعته الثانية عام ١٤١٩؟.
٥- القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع لشمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي (ت ٩٠٢؟) تناول فيه المؤلف موضوع الصلاة على النبي ﷺ وأراده أن يكون عمدة لمن يرجع إليه، وكفاية لمن عول عليه، ووصف عمله بأنه لم يُطِلْهُ بذكر الأسانيد ليسهل تحصيله لأُولي التوفيق والسداد ومُعقّبًا كل حديث بعزوه لمن رواه مُبيّنًا - غالبًا - صحّته أو حسنه أو ضعفه لدفع الاشتباه٣.
والكتاب حققه وخرج أحاديثه وعلق عليه الأستاذ بشير محمد عيون ونشرته مكتبة المؤيد بالطائف ومكتبة دار البيان بدمشق.
٦- فضل الصلاة على النبي ﷺ وبيان معناها وكيفيتها وشيء مما ألف
_________
١ القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع: ٣٦٨.
٢ زاد المعاد في هدي خير العباد: ١/٨٧.
٣ القول البديع: ٤.
1 / 168
فيها لفضيلة شيخنا العلامة الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد المدرس بالمسجد النبوي - حفظه الله.
وهو في أصله محاضرة لفضيلته، وقد أوضح فيها الكتب المعتمدة في الصلاة على النبي ﷺ وما هي الكتب التي يتحتم على المسلم أن يحذرها وهي الكتب المشتملة على فضائل وكيفيات في الصلاة على النبي ﷺ ما أنزل الله بها من سلطان وذلك لاشتمالها على أحاديث موضوعة وأخرى ضعيفة، وذكر منها كتابا مشهورا للجزولي المتوفى سنة (٨٧٠؟) ١.
وقال فضيلته - في كتاب آخر له - عن هذا الكتاب إنه: “مشتمل على صلوات على النبي ﷺ محدثة وفيها غُلُو، وما ثبت في الصحيحين وغيرهما من كيفيات للصلاة على النبي ﷺ فيها غُنية وكفاية عما أحدثه المحدثون، ولاشكّ أنّ ما جاءت به السنة وفعله الصحابة الكرام والتابعون لهم بإحسان هو الطريق المستقيم والمنهج القويم، والفائدة للأخذ به محقّقة، والمضرّة عنه منتفية، وقد قال ﵊: “عليكم بستني وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة” ٢، وكتاب دلائل الخيرات اشتمل على أحاديث موضوعة وكيفيّات للصلاة على النبي ﷺ فيها غُلُوٌّ ومجاوزة للحدّ ووقوع في المحذور لا يرضاه الله ولا رسوله ﷺ، وهو طارئ لم يكن من منهج السابقين بإحسان، ثم نقل عن الشيخ محمد الخضر بن مايابي الشنقيطي قوله: “إن الناس مولعة بحب الطارئ، ولذلك تراهم يرغبون دائمًا في الصلوات المرويّة في دلائل الخيرات ونحوه، وكثير منها لم يثبت له سند صحيح ويرغبون عن الصلوات الواردة عن النبي ﷺ في الصحيح” ٣.
_________
١ فضل الصلاة على النبي ﷺ لشيخنا عبد المحسن بن حمد العباد: ١٩ – ٢٠.
٢ الموطأ: ١/١١٤، والبخاري: ٤/٢١٨ - ٢١٩ في التراويح: باب فضل من قام رمضان.
٣ الرد على الرفاعي والبوطي ... ص ١٤.
1 / 169
- أما ما يتعلّق بهذا الجزء المُسمّى: “جزء فيه حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة في الصلاة على النبي ﷺ “
فهو جزء مسند، مُختارة أحاديثه من أصحّ الصحيح، وقد يسّر الله لي العمل فيه بعد أن توفّرتُ على نُسختين خطّيّتين له، وسرت في عملي في دراسته وتحقيقه على الخطّة التالية:
القسم الأوّل: الدراسة
الفصل الأول: في حياة المصنف:
المبحث الأول: اسمه ونسبه – مولده ونشأته – تاريخ وفاته ومكانها.
المبحث الثاني: منزلته العلميّة.
المبحث الثالث: شيوخه وتلاميذه.
المبحث الرابع: مُؤلّفاته ورحلاته.
الفصل الثاني: في كتابه:
المبحث الأول: الأجزاء الحديثية وأهمّيّتها العلميّة والاستخراجية.
المبحث الثاني: التعريف بهذا الجزء.
المبحث الثالث: توثيق نسبة الجزء إلى مؤلّفه.
القسم الثاني: التحقيق
أولا: وصف النسختين.
ثانيا: منهج التحقيق.
ثالثا: مُشجّرات الأسانيد.
النصّ المحقّق.
الفهارس.
1 / 170
القسم الأول: الدراسة
الفصل الأول: في حياة المصنف
المبحث الأول: اسمه ونسبه، مولده ونشأته، تاريخ وفاته ومكانها
هو أبو الحسن علي بن الأنجب المفضل بن أبي الحسن علي بن أبي المغيث مفرج بن حاتم بن الحسن بن جعفر بن إبراهيم بن الحسن اللخمي.
الشيخ الإمام المفتي الحافظ الكبير المتقن شرف الدين أبو الحسن بن القاضي الأنجب أبي المكارم المقدسي ثم الإسكندراني المالكي١.
ولد ليلة السبت الرابع والعشرين من ذي القعدة سنة أربعين وخمسمائة بالإسكندرية ونشأ بها واعتنى بالعلم من صغره وأخذ عن جملة من الشيوخ سيأتي ذكر بعضهم٢.
أما وفاته فتُجمع المصادر على أنها كانت سنة إحدى عشرة وستمائة، وزاد ابن خلّكان أنها كانت في يوم الجمعة مستهل شعبان سنة إحدى عشرة وستمائة بالقاهرة رحمه الله تعالى٣.
_________
١ وانظر التكملة لوفيات النقلة: ٢/الترجمة: ١٣٥٤، والسير: ٢٢/٦٦، ووفيات الأعيان: ٣/٢٩٠، وتذكرة الحفاظ: ١٣٩٠، والعبر: ٣/١٥٥، والبداية والنهاية: ١٣/٦٨، والنجوم الزاهرة: ١/٢١٢.
٢ انظر المراجع السابقة.
٣ انظر التكملة لوفيات النقلة: ٢/الترجمة ١٣٥٤، والسير: ٢٢/٦٦، والعبر: ٣/١٥٥، وتذكرة الحفاظ: ١٣٩٢، وفيات الأعيان لابن خلكان: ٣/٢٩٢.
1 / 171
المبحث الثاني: منزلته العلمية
قال عنه تلميذه الحافظ المنذري: “حدّث بالحرمين الشريفين، والإسكندرية، ومصر، وغيرها. وناب في الحكم للعزيز١ بالإسكندرية ودرّس بها بالمدرسة المعروفة به، ودرّس بالقاهرة بالمدرسة الصاحبية ٢ إلى حين وفاته”٣.
أما ابن خلكان فقد قال عنه: “كان فقيهًا فاضلًا في مذهب الإمام مالك ﵁، ومن أكابر الحفاظ المشاهير في الحديث وعلومه، وكان ينوب في الحكم بثغر الإسكندرية المحروس، ودرّس به بالمدرسة المعروفة هناك، ثم انتقل إلى مدينة القاهرة المحروسة ودرّس بها بالمدرسة الصاحبيّة وهي مدرسة الوزير صفي الدين أبي محمد عبد الله بن علي المعروف بابن شكر، إلى حين وفاته” ٤.
وقال الذهبي: “كان من أئمة المذهب العارفين به ومن حفاظ الحديث”٥. وقال الحافظ ابن كثير: “كان مدرسًا للمالكية بالإسكندرية وناب في الحكم بها” ٦.
_________
١ هو السلطان الملك العزيز أبو الفتح عماد الدين بن السلطان صلاح الدين الأيوبي، له ترجمة في السير ٢١/٢٩١، وفيها أنه توفي سنة (٥٩٥هـ)، وكان المصنف واليًا –من قبله- على الإسكندرية في فترة من الفترات.
٢ هي مدرسة أنشأها الصاحب صفي الدين بن شكر وزير الملك العادل. انظر الذيل على رفع الإصر، أو: بغية العلماء والرواة ص٤٩٢.
٣ التكملة لوفيات النقلة: ٢/٣٠٧.
٤ وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، لابن خلكان: ٣/٢٩٠.
٥ تذكرة الحفاظ: ١٣٩٠، والسير: ٢٢/٦٦.
٦ البداية والنهاية: ١٣/٦٤.
1 / 172
المبحث الثالث: شيوخه وتلاميذه
لقد روى الإمام علي بن المفضل عن كثير من الشيوخ، وقد رأيت الاقتصار على ترجمة من روى عنهم في هذا الجزء، ومنهم مشاهير كما سيأتي في تراجمهم، وقد أضفت عليهم ترجمة والده ﵀ المعدود أيضا في شيوخه، وهو:
القاضي الأجل الأنجب أبو المكارم المفضل بن علي بن مفرج بن حاتم بن الحسن بن جعفر بن إبراهيم بن الحسن، المقدسي الأصل الإسكندراني الدار، والوفاة ١.
أما جملة من روى عنهم الأحاديث الستة عشر في هذا الجزء فهم تسعة شيوخ، وقد أسند عنهم في خمس وعشرين مرة، وقرن أحدَهم - وهو السِّلَفي أشهرهم - بشيخين في الحديث العاشر.
وقد روى الإمام علي بن المفضل - عن السلفي هذا - أحد عشر حديثًا٢، وأضاف إليه سبعة شيوخ مقرونين به في ستة أحاديث، وفي كل سند - من خمسة أسانيد٣ - بشيخ واحد، ما عدا الحديث العاشر الذي قرنه فيه بشيخين؛ كما تقدم، وأضاف الرواية عن سبعة شيوخ آخرين ليسوا مقرونين بالسلفي.
وفيما يلي تراجم هؤلاء الشيوخ مُرتّبة أسماؤهم على الوفيات:
- أبو عبيد نعمة بن زيادة الله بن خلف الغفاري. قال السلفي: “سمعت منه بالإسكندرية وحج في السنة التي حججت أنا فيها مع أبي - سنة سبع وتسعين وأربعمائة - وسمع عيسى بن أبي ذر الهروي بمكة وآخرين، قال السلفي: وقد سمع علي - بقراءتي بالإسكندرية على نفر من شيوخها - كثيرًا وكان من
_________
١ التكملة لوفيات النقلة الترجمة: (٤٦)، وشجرة النور الزكية: ١/١٦٦.
٢ وهي الواردة بالأرقام: ١ و٢ و٧ و٨ و٩ و١٠ و١١ و١٣ و١٤ و١٥ و١٦.
٣ بالأرقام: ٢ و١١ و١٢ و١٣ و١٦.
1 / 173
أهل الصلاح والمجتهدين في طلب العلم والمواظبين على فعل الخير وتوفي سنة ثلاث وستين وخمسمائة، في شهر ربيع الأول وقال لي ابنه عبيد: كان قبل وفاته يقول عمري الآن سبع وتسعون سنة” ١.
- أبو الطاهر أحمد بن محمد بن أحمد بن سِلَفة الأصبهاني الحافظ العلامة الكبير مُسنِد الدنيا ومُعمّر الحُفّاظ. كان كثير التّرحال وأخذ عن الكثير من الشيوخ واستوطن الإسكندرية بضعًا وستين سنة مُكبًّا على الاشتغال والمطالعة والنسخ وتحصيل الكتب قال الذهبي: “وقد أفردت أخباره في جزء وقد جاوز المائة بلا ريب وإنما النّزاع في مقدار الزيادة، ومكث نيّفًا وثمانين سنة يُسمَع عليه ولا أعلم أحدًا مثله في هذا. مات يوم الجمعة بكرة خامس ربيع الآخر سنة ست وسبعين وخمسمائة”٢.
- علي بن حميد بن عمار الطرابلسي أبو الحسن المكي سمع صحيح البخاري من أبي مكتوم عيسى بن أبي ذر الهروي وتفرّد به عنه، ورواه عنه جماعة آخرهم عبد الرحمن بن أبي حرمي. قال الذهبي: حدث به في سنة إحدى وسبعين وخمسمائة، وترجمه بالمقري النحوي، توفي في شوال سنة ست وسبعين وخمسمائة بمكة، قال الفاسي: كذا وجدت وفاته ملحقة بوفاة الحافظ أبي الحسن علي بن المفضل المقدسي بخط شخص لا أعرفه وذكر أنه وجدها في ظهر نسخة من وفيات ابن المفضل بخط أبي الحسن التونسي ٣.
_________
١ معجم شيوخ السفر للسلفي، ترجمة: ١٣٥٥ و١٣٥٦، وتحديد تاريخ حجّه مع أبيه بحسب ترجيح المحقق، وانظر السير: ١٩/١٧٢، وقد روى عنه الحديث رقم ١٠ مقرونا فيه بأبي الحسن علي بن حميد بن عمار وبالسلفي.
٢ العبر: ٣/٧١، وانظر السير: ٢١/٥، والتقييد لابن نقطة: ١/٢٠٤، وقد تقدم أنه روى عنه اثني عشر حديثا وتقدمت أرقامها.
٣ العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين: ٦/١٥٦.
1 / 174
- أبو القاسم بن بشكوال خلف بن عبد الملك بن مسعود الأنصاري القرطبي الحافظ محدث الأندلس ومؤرخها ومسندها مات سنة ثمان وسبعين وخمسمائة وله أربع وثمانون سنة ١.
- أبو الطاهر إسماعيل بن مكي بن إسماعيل الزهري. قال عنه الذهبي: توفي صدر الإسلام أبو الطاهر الزهري الإسكندراني المالكي في شعبان سنة إحدى وثمانين وخمسمائة وله ست وثمانون سنة، تفقّه على أبي بكر الطرطوشي وسمع منه ومن أبي عبد الله الرازي، وبرع في المذهب وتخرّج به الأصحاب، وقصده السلطان صلاح الدين وسمع منه الموطّأ، كما كتب عنه السلفي، وهو من شيوخه، وأخذ عنه أيضا عبد الغني وابن المفضل٢.
- أبو سعيد محمد بن عبد الرحمن بن مسعود المروزي الصوفي الرحال الأديب مات سنة أربع وثمانين وخمسمائة عن اثنتين وثمانين سنة سمع من أبي الوقت وطبقته وأملى بمصر مجالس وعُني بهذا الشأن وكتب وسعى وجمع فأوعى وصنف شرحًا طويلًا للمقامات. قال الذهبي: ليّنه المحدّثون. وقال ابن النجار: كان من الفضلاء في كل فن وكان من أظرف المشايخ وأجملهم٣.
- أبو إبراهيم القاسم بن إبراهيم بن عبد الله المقدسي الأصل المصري الدار الشافعي، مات بمصر سنة ثمان وثمانين وخمسمائة ومولده على التّخمين سنة ثلاث عشرة وخمسمائة، سمع من أبي الحسن علي بن إبراهيم بن صولة البغدادي
_________
١ العبر: ٣/٧٥، والسير: ٢١/١٣٩، وتذكرة الحفاظ: ٤/١٣٣٩ والبداية والنهاية: ١٢/٢٦١، وشذرات الذهب: ٦/٤٣٠، وقد روى عنه الحديث رقم ١١ مقرونا فيه بالسلفي.
٢ العبر: ٣/٨١، والسير: ٢١/١٢٢ - ١٢٣، وتذكرة الحفاظ: ١٣٣٦، وقد روى عنه الحديثين رقم ٣ و٤.
٣ العبر: ٣/٨٨، والتكملة الترجمة (٤١)، ولسان الميزان: ٥/٢٥٦، والسير: ٢١/١٧٣، وشذرات الذهب: ٦/٤٦١، وقد روى عنه الحديث رقم ٥.
1 / 175
وأبي القاسم عبد الغني بن طاهر بن إسماعيل بن الزعفراني وأبي عمر عبد الله بن رفاعة بن غدير السعدي١.
- أبو القاسم هبة الله بن أبي الحسن الخزرجي الكاتب الأديب مسند الديار المصرية ولد سنة ستّ وخمسمائة وسمع من أبي صادق المديني محمد بن بركات السعدي وطائفة وتفرّد في زمانه ورُحل إليه، توفي سنة تسعين وخمسمائة، سمع منه جماعة منهم علي بن المفضل٢.
- أبو الحسن علي بن الحسن بن علي بن محمد بن عبد السلام بن المبارك ابن راشد التميمي الدارمي الريحاني المكي، بها سمع من أبي الفتح عبد الملك بن أبي القاسم الكروخي وأبي القاسم محمود بن عبد الكريم بن علي الأصبهاني وأبي بكر أحمد بن المقرب، قال المنذري: “وحدثنا عنه الحافظ أبو الحسن المقدسي وغيره، توفي سنة ستّ وتسعين وخمسمائة بمكة حرسها الله” ٣.
هذا وقد لوحظ أن الإمام علي بن المفضل ربما ذكر بعض شيوخه بصورة أخرى - غير الصورة المتقدمة - بحيث يذكر كنيته - ولم تتقدم - مع ذكر اسمه ويكنّي أباه ولا يسمّيه؛ كما صنع في (هبة الله علي بن ثابت الكاتب) في حديث رقم (٢) المقرون فيه بالسلفي، وأعاده مرة أخرى باسم (أبي القاسم هبة الله بن أبي الحسن الخزرجي) والشيخ هو هو نفسه، وهذا ما يُعرف بتدليس الشيوخ، ولعلّ الإمام علي بن المفضل استعمله على ما اعتاده بعض الرواة للتنويع أو
_________
١ التكملة لوفيات النقلة: ١/١٦٨، وقد روى عنه الحديثين رقم ٦ و١٢.
٢ وانظر التكملة لوفيات النقلة الترجمة: (٦٦٧)، والسير: ٢١/٣٩٠، ووفيات الأعيان: ٦/٦٧، وقد روى عنه الحديثين رقم ٢ و١٣ مقرونا فيهما بالسلفي.
٣ التكملة لوفيات النقلة: ١/الترجمة: ٥٦٢، والعقد الثمين: ٦/١٤٩، وقد روى عنه الحديث رقم ١٦ مقرونا فيه بالسلفي.
1 / 176
لإيهام تكثير الشيوخ١، وقد صنع نحو ذلك بالنسبة للسِّلَفي في الحديث الأول الذي استفتح به؛ وذكره باسم (أبو الطاهر أحمد بن محمد بن سِلَفة الأصبهاني) ثم روى عنه في الحديث الثاني فأسند عنه باسم (أحمد بن محمد بن إبراهيم الحافظ) وهو السلفي نفسه، فنسب علي بن المفضل والد السلفي إلى جدّ جدّه لأن نسبه هكذا: (أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم)، وأما “سلفة” فهو لقب لجده أحمد.
وتدليس الشيوخ يختلف باختلاف المقاصد ٢، وهو لهذا الغرض المذكور لعلّه ليس فيه ملامة، وإن كان عدم استعماله وبيان الواقع هو الأولى والأحسن.
أما تلاميذه:
فلاشك أن المنزلة العلمية الرفيعة التي وصل إليها علي بن المفضل في الحديث وسعة باعه في حفظه جعلته قبلة أنظار طلبة العلم فوفدوا عليه بكثرة، ينهلون من منهله العذب الصافي، ويتخلّقون بأخلاقه من الثقة والأمانة والزهد والديانة، ولقد تخرّج على يدي هذا الإمام أئمة أجلاء في الحديث وعلومه والفقه وغير ذلك:
- وكان من أبرزهم ابنه أحمد الفقيه الصالح أبو الحسين المقدسي ثم الإسكندراني المالكي العدل. ولد سنة ثمان وسبعين وخمسمائة وتفقّه على مذهب الإمام
_________
١ قال ابن الصلاح في تعريفه: “هو أن يروي عن شيخ فيسميه أو يكنيه أو ينسبه، أو يصفه بما لايعرف به كيلا يعرف”، قال الحافظ في النكت ص٦١٥: “قلت: ليس قوله: (بما لا يعرف به) قيدًا، بل إذا ذكره بما يعرف به - إلا أنه لم يشتهر به - كان ذلك تدليسًا” ومثل الحافظ ابن حجر لهذا بصنيع الخطيب؛ الذي ذكر ابن الصلاح أنه كان لهجًا بهذا النوع من التدليس في مصنفاته، وكذلك مثل الحافظ - في سياق ذلك - بصنيع البخاري في الذهلي.
٢ انظر اختصار علوم الحديث لابن كثير مع الباعث الحثيث ص: ١/١٧٦-١٧٨.
1 / 177
مالك ونشأ على غاية من الدين والورع والبرّ بالوالدين، توفي في صفر سنة ثلاث عشرة وستمائة١.
- عبد العظيم بن عبد القوى الحافظ الكبير زكي الدين أبو محمد المنذري الشافعي ثم المصري صاحب التصانيف الكثيرة ولد سنة إحدى وثمانين وخمسمائة تخرج بأبي الحسن علي بن المفضل، ولي مشيخة الكامليّة ٢ مدة، وانقطع بها نحوًا من عشرين سنة مكبًا على العلم والإفادة وكان ثبتًا حجة متبحرًا في علوم الحديث عارفًا بالفقه والنحو، مع الزهد والورع والصفات الحميدة، توفي ﵀ في رابع ذي القعدة سنة ست وخمسين وستمائة٣.
- ابن النجار، الحافظ الكبير محب الدين أبو عبد الله محمد بن محمود بن الحسن بن هبة الله بن محاسن البغدادي صاحب “ تاريخ بغداد ” ولد سنة ثمان وسبعين وخمسمائة، رحل إلى أصبهان، وخراسان، والشام ومصر، وكتب ما لا يوصف. وكان ثقة متقنًا واسع الحفظ، تام المعرفة بالفن، توفي في خامس شعبان سنة ثلاث وأربعين وستمائة٤.
_________
١ التكملة لوفيات النقلة: ٢/٣٦١ رقم ١٤٥٢، وتاريخ الإسلام للذهبي وفيات سنة ثلاث عشرة وستمائة.
٢ هي مدرسة أنشأها الكامل الأيوبي لتدريس الحديث النبوي، وقال السخاوي: (لا تزال إلى الآن وتعرف بجامع الكامل) . انظر ذيل رفع الإصر، أو: بغية العلماء والرواة ص٤٩٤
٣ وانظر العبر: ٣/٢٨١، وتذكرة الحفاظ: ١٤٣٦، وسير أعلام النبلاء: ٢٣/٣١٩.
٤ العبر: ٣/٢٤٨، والسير: ٢٣/١٣١، وتذكرة الحفاظ: ٤/١٤٢٨، وطبقات الشافعية الكبرى: ٨/٩٨ - ٩٩، وشذرات الذهب: ٥/٧٠٣، والمراد بتاريخ بغداد: الذيل الذي ألّفه ابن النجار عليه كما بيّنتْه المراجع المذكورة.
1 / 178
المبحث الرابع: مؤلفاته ورحلاته
قال الذهبي: “له تصانيف محررة، ورأيت له في سنة ست وثمانين وستمائة كتاب (الصيام) بالأسانيد، وله (الأربعون في طبقات الحفاظ)، ولمّا رأيتها تحرّكت همّتي إلى جمع الحفاظ، وأحوالهم” ١.
وهذه الكتب منها:
١- (الأربعون المسلسلات) ذكرها الحافظ ابن حجر فقال إنه رواها سوى الحديث العشرين فإنه كان سقط من الجزء، وهو جزء ضخم بسماعه من أحمد ابن أبي بكر بن طي، قال أخبرنا: عبد الهادي بن عبد الكريم القيسي، قال أخبرنا ابن المفضل٢. وأوردها الشيخ عبد الحي الكتاني بإسناده إلى ابن جابر الوادي آشى عن أبي حيان والذهبي كلاهما عن عبد المؤمن الدمياطي عن الحافظ زكي الدين المنذري عن الحافظ أبي الحسن علي بن المفضل المقدسي. وقال: وهو كما ترى مسلسل بالحفاظ٣.
٢- (الأربعون المرتّبة على طبقات الأربعين) وفيه تراجم لأربعين حافظًا أولهم الزهري وآخرهم ابن ماكولا. وفيها فوائد جمّة، قُرئت النسخة عليه وتحت السماع خطه. ٤
_________
١ سير أعلام النبلاء: ٢٢/٦٧، وتذكرة الحفاظ: ١٣٩١، وانظر التكملة: ٢/٣٠٧.
٢ المجمع المؤسس: ٢/٥٣٧.
٣ فهرس الفهارس: ٦٥٩، وبروكلمان: ١/٣٦٦، ذيل: ١/٦٢٧، انظر نوادر المخطوطات العربية بتركيا: ٢/٢٣٥.
٤ انظر السير: ٢٢/٦٧، وهدية العارفين: ٥/٧٠٤، وقد حُقّق في رسالة علمية بجامعة أم القرى للباحث محمد سالم العبادي نال بها درجة الماجستير عام ١٤١٣هـ بإشراف د. موفق عبد الله.
1 / 179
٣- كتاب الأربعين في فضل الدعاء والداعين يوجد منه الجزء الخامس وقد قام بتحقيقه بدر بن عبد الله البدر وهو آخر الكتاب وذكر أن بقيّة الأجزاء لا تتوفّر، وقد طبعه مع كتاب الأربعين على مذهب المحققين من الصوفية لأبي نعيم بتحقيقه أيضا ١.
٤- الأربعين الإلهية، لأبي الحسن علي بن المفضل المقدسي بسماعه على محمد بن غالي بسماعه على عبد الهادي بن عبد الكريم القيسي بسماعه منه٢.
أما رحلاته:
فقد رحل من الإسكندرية إلى مصر سنة أربع وسبعين وخمسمائة، وسمع من أبي الحسن علي بن هبة الله بن عبد الصمد الكاملي، والعلامة أبي محمد عبد الله ابن بري النحوي، وأبي الفضل هبة الله بن الحسن بن عبد السلام المعروف بابن الطوير وغيره وحج وجاور بمكة شرفها الله وسمع بها من عدد من الشيوخ وحدث بالحرمين الشريفين والإسكندرية، ومصر وغيرها٣.
_________
١ ط دار ابن حزم للطباعة والنشر، بيروت: ١٩٩٣ م.
٢ المجمع المؤسس: ٢/٧٥.
٣ انظر المراجع في الصفحة السابقة.
1 / 180
الفصل الثاني: في كتابه
المبحث الأول: الأجزاء الحديثية، وأهمّيّتها العلميّة والاستخراجيّة
إن رواة السنة وحفاظ الحديث نهجوا في تدوين السنة والأثر طرقًا متعددة منها: التأليف على طريقة الأجزاء الحديثية.
والجزء عرّفه الشيخ محمد عبد الرحمن المباركفوري بقوله: “الجزء - في اصطلاحهم ـ: تأليف الأحاديث المروية عن رجل واحد، سواء كان ذلك الرجل من الصحابة أو من بعدهم، كجزء حديث أبي بكر وجزء حديث مالك ... وقد يختارون من المطالب الثمانية -المذكورة في صفة الجامع- مطلبًا جزئيًا يصنفون فيه ...” ١.
_________
١ مثّل ﵀ لما ذكره بجزء (رؤية الله تعالى) للآجري، انظر مقدمة تحفة الأحوذي ص (٦٧)، وقد ذكر ستة أقسام للتصنيف الحديثي، وذكر رابع أقسامها: الأجزاء، ثم لم يسم القسمين الخامس والسادس، مع كونه ختم الكلام بأنها ستة، والذي يظهر لي - والله أعلم - في هذين القسمين الخامس والسادس أنهما امتداد للقسم الرابع ويشملهما مسمى (الجزء)، فالخامس هو ما ذكره بقوله السابق: (وقد يختارون ... الخ)، والسادس ذكر فيه الأربعينيات: المشتملة على أربعين حديثًا.
ولعل تقدير عدد أوراق الجزء بعشرين ورقة - كما في السير ٢٠/٥٥٨ - مراد به - والله أعلم - الحد الأعلى وربما زاد على ذلك فيوصف بالجزء الضخم - كما في ترجمة السلفي في السير ٢١/١٦ - والجزء في معنى (الصحيفة) التي هي - في المصطلح الشائع - ما يضم مجموعة من الأحاديث يرويها الصحابي عن النبي ﷺ مباشرة، يكتبها الراوي عنه، أو من دونه، ومثلها (النسخة)، وهي مُتوحّدة الإسناد، فإذا كانت متعدّدة الإسناد فهي (جزء) أو "أحاديث فلان" انظر معرفة النسخ والصحف الحديثية ص٢٣، وفي كتاب توثيق النصوص وضبطها ص ٢٢٦ أن العدد “أمر مختلف فيه؛ فمنهم من جعله عشر أوراق، ومنهم اثنتي عشرة ورقة ... وهكذا”.
1 / 181
ولقد حرص المحدثون على رواية المصنفات والأجزاء الحديثية، وعلى رواية النصوص في مشيخاتهم ومصنّفاتهم بأسانيد عالية، وغدا ذلك ظاهرة واضحة في معاجم الشيوخ والمشيخات التي صُنّفت في القرن الخامس، الأمر الذي يجعلنا نقول: إن هذا النوع من المصنفات قد أضحى هو البديل المناسب عن التصنيف في المستخرجات، وقد بين الإمام السخاوي مشاركة أصحاب المشيخات في الاستخراج قائلًا: “إن أصحاب المستخرجات غير مُتفرّدين بتصنيفهم بل أكثر المخرّجين للمشيخات والمعاجم يُوردون الحديث بأسانيدهم، ثم يُصرّحون بعد انتهاء سياقه غالبًا بعزوه إلى البخاري أو مسلم أو إليهما معًا مع اختلاف في الألفاظ وغيرها ويريدون أصله”.
ويؤخذ من كلام السخاوي ﵀ أن المستخرجات - على كبرها - تشاركها المشيخات والأجزاء - مع صغرها - في أداء مهمة الاستخراج، وتحقيق شيء من فوائده كعلو الإسناد؛ والقوة بتعدد الطرق مما يفيد عند الترجيح، مع ما يحصل بذلك من زيادة ألفاظ.
قال د. موفق: “إنّ المرويات التي ترويها العديد من معاجم الشيوخ والمشيخات والتي قد تكون روايةً لجزء حديثي، أو لكتاب مشهور، أو محاولة القُرب بالنسبة إلى رواية من روايات الكتب الستة، أو غيرها من المصنفات: هو ما كثر اعتناء المتأخرين به” ١.
وقد نبه الحافظ ابن الصلاح على أمر مُهمّ يجده الناظر في هذه المستخرجات وأمثالها؛ وهو التفاوت بين بعض ألفاظها وألفاظ من استُخرجت
_________
١ انظر مجلة جامعة أم القرى العدد (١٩)، المستخرجات نشأتها وتطورها للدكتور موفق عبد القادر، مجلد ١/٢٠١، وانظر فتح المغيث ٣/٣١٨.
1 / 182